الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلشُّعَرَآءُ يَتَّبِعُهُمُ ٱلْغَاوُونَ }

الشعراء: جمع شاعر كجاهل وجهلاء، وعالم وعلماء، والغاوون: جمع غاو وهو الضال، وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة { يَتَّبِعُهُمُ ٱلْغَاوُونَ } يدل على أن اتباع الشعراء من أتباع الشيطان بدليل قوله تعالى:إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ } [الحجر: 42] وقرأ هذا الحرف نافع وحده: يتبعهم بسكون التاء المثناة، وفتح الباء الموحدة، وقرأه الباقون يتبعهم بتشديد المثناة، وكسر الموحدة ومعناهما واحد.

وما ذكره تعالى في هذه الآية الكريمة في قوله: { وَٱلشُّعَرَآءُ يَتَّبِعُهُمُ ٱلْغَاوُونَ } يدل على تكذيب الكفار في دعواهم، أن النبي صلى الله عليه وسلم شاعر، لأن الذين يتبعهم الغاوون لا يمكن أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم منهم.

ويوضح هذا المعنى ما جاء من الآيات مبيناً أنهم ادعوا عليه صلى الله عليه وسلم أنه شاعر وتكذيب الله لهم في ذلك، أما دعواهم أنه صلى الله عليه وسلم شاعر، فقد ذكره تعالى في قوله عنهم:بَلْ قَالُوۤاْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ ٱفْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ } [الأنبياء: 5] الآية، وقوله تعالى:وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتَارِكُوۤ آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ } [الصافات: 36] وقوله تعالى:أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ ٱلْمَنُونِ } [الطور: 30] وأما تكذيب الله لهم في ذلك، فقد ذكره في قوله تعالى:وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَّا تُؤْمِنُونَ } [الحاقة: 41] الآية، وقوله تعالى:وَمَا عَلَّمْنَاهُ ٱلشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ } [يس: 69]، وقوله تعالى:وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتَارِكُوۤ آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ بَلْ جَآءَ بِٱلْحَقِّ وَصَدَّقَ ٱلْمُرْسَلِينَ } [الصافات: 36ـ37]، لأن قوله تعالى: { بَلْ جَآءَ بِٱلْحَقّ } الآية. تكذيب لهم في قولهم إنه: { لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ }.

مسألتان تتعلقان بهذه الآية الكريمة

المسألة الأولى: اعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه أنه قال: " لأن يمتلئ جوف رجل قيحاً يريه خير له من أن يمتلئ شعراً " رواه الشيخان في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وقوله في الحديث، يريه بفتح المثناة التحتية وكسر الراء بعدها ياء، مضارع ورى القيح جوفه، يريه، وريا إذا أكله وأفسده، والأظهر أن أصل وراه أصاب رئته بالإفساد.

واعلم أن التحقيق الذي لا ينبغي العدول عنه أن الشعر كلام حسنه حسن، وقبيحه قبيح.

ومن الأدلة القرآنية على ذلك أنه تعالى لما ذم الشعراء بقوله:وَٱلشُّعَرَآءُ يَتَّبِعُهُمُ ٱلْغَاوُونَ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ } [الشعراء: 224ـ226] استثنى من ذلك الذين آمنوا وعملوا الصالحات في قوله:إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَذَكَرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً } [الشعراء: 227] الآية.

وبما ذكرنا تعلم أن التحقيق أن الحديث الصحيح المصرح بأن امتلاء الجوف من القيح المفسد له خير من امتلائه من الشعر، محمول على من أقبل على الشعر، واشتغل به عن الذكر، وتلاوة القرآن، وطاعة الله تعالى، وعلى الشعر القبيح المتضمن للكذب، والباطل كذكر الخمر ومحاسن النساء الأجنبيات ونحو ذلك.

السابقالتالي
2