الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلاَ دُعَآؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً }

العرب الذين نزل القرآن بلغتهم، يقولون: ما عبأت بفلان أي ما باليت به، ولا اكترثت به: أي ما كان له عندي وزن، ولا قدر يستوجب الاكتراث، والمبالاة به، وأصله من العبء، وهو الثقل ومنه قول أبي زيد يصف أسداً:
كان بنحره وبمنكبيه   عبيراً بات يعبؤه عروس
وقوله: يعبؤه: أي يجعل بعضه فوق بعض لمبالاته به واكتراثه به.

وإذا علمت ذلك فاعلم أن كلام أهل التفسير في هذه الآية الكريمة، يدور على أربعة أقوال:

واعلم أولاً أن العلماء اختلفوا في المصدر في قوله: لولا دعاؤكم، هل هو مضاف إلى فاعله، أو إلى مفعوله، وعلى أنه مضاف إلى فاعله فالمخاطبون بالآية، داعون: لا مدعوون: أي ما يعبؤ بكم ربي لولا دعاؤكم: أي عبادتكم له. وأما على أن المصدر مضاف إلى مفعوله فالمخاطبون بالآية، مدعوون، لا داعون: أي ما يعبؤ بكم، لولا دعاؤه إياكم إلى توحيده، وعبادته على ألسنة رسله عليهم الصلاة والسلام.

واعلم أيضاً أن ثلاثة من الأقوال الأربعة المذكورة في الآية مبنية على كون المصدر فيها مضافاً إلى فاعله. والرابع: مبني على كونه مضافاً إلى مفعوله.

أما الأقوال الثلاثة المبنية على كونه مضافاً إلى فاعله.

فالأول منها أن المعنى: ما يعبؤ بكم ربي لولا دعاؤكم: أي عبادتكم له وحده جل وعلا، وعلى هذا القول فالخطاب عام للكافرين والمؤمنين ثم أفرد الكافرين دون المؤمنين بقوله:فَقَدْ كَذَّبْتُمْ } [الفرقان: 77] الآية.

والثاني منها: أن المعنى: لولا دعاؤكم أيها الكفار له وحده عند الشدائد والكروب: أي ولو كنتم ترجعون إلى شرككم، إذا كشف الضر عنكم.

والثالث: أن المعنى ما يعبؤ بكم ربي: أي ما يصنع بعذابكم، لولا دعاؤكم معه آلهة أخرى، ولا يخفى بعد هذا القول، وأن فيه تقدير ما لا دليل عليه، ولا حاجة إليه.

أما القول الرابع المبني على أن المصدر في الآية، مضاف إلى مفعوله فهو ظاهر، أي ما يعبؤ بكم ربي لولا دعاؤه إياكم على ألسنة رسله.

وإذا عرفت هذه الأقوال فاعلم أن كل واحد منها، قد دل عليه قرآن وسنبين هنا إن شاء الله تعالى دليل كل قول منها من القرآن مع ذكر ما يظهر لنا أنه أرجحها.

أما هذا القول الأخير المبني على أن المصدر في الآية مضاف إلى مفعوله، وأن المعنى: ما يعبؤ بكم ربي لولا دعاؤكم إياكم إلى الإيمان به، وتوحيده، وعبادته على ألسنة رسله، فقد دلت عليه آيات من كتاب الله كقوله تعالى في أول سورة هود:وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَق ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى ٱلْمَآءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } [هود: 7] وقوله تعالى في أول سورة الكهف:إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى ٱلأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً }

السابقالتالي
2 3