الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّواْ عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً }

قال الزمخشري: لم يخروا عليها ليس بنفي للخرور، وإنما هو إثبات له، ونفي للصمم والعمى كما تقول: لا يلقاني زيد مسلماً، هو نفي للسلام لا للقاء.

والمعنى: أنهم إذا ذكروا بها أكبوا عليها، حرصاً على استماعها وأقبلوا على المذكر بها، وهم في إكبابهم عليها سامعون بآذان واعية مبصرون بعيون راعية. انتهى محل الغرض منه.

ولا يخفى أن لهذه الآية الكريمة دلالتين: دلالة بالمنطوق، ودلالة بالمفهوم، فقد دلت بمنطوقها على أن من صفات عباد الرحمن، أنهم إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها، لم يكبوا عليها في حال كونهم صماً عن سماع ما فيها من الحق، وعمياناً عن إبصاره، بل هم يكبون عليها سامعين ما فيها من الحق مبصرين له.

وهذا المعنى دلت عليه آيات أخر من كتاب الله كقوله تعالى:وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً } [الأنفال: 2] الآية. ومعلوم أن من تليت عليه آيات هذا الفرقان، فزادته إيماناً أنه لم يخر عليها أصم أعمى. وكقوله تعالى:وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـٰذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } [التوبة: 124] وقوله تعالى:ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ ٱلْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ } [الزمر: 23] إلى غير ذلك من الآيات.

وقد دلت الآية المذكورة أيضاً بمفهومها: أن الكفرة المخالفين، لعباد الرحمن الموصوفين في هذه الآيات، إذا ذكروا بآيات ربهم خروا عليها صماً وعمياناً: أي لا يسمعون ما فيها من الحق، ولا يبصرونه، حتى كأنهم لم يسمعوها أصلاً.

وهذا المعنى الذي دلت عليه هذه الآية بمفهومها جاء موضحاً في آيات أخر من كتاب الله كقوله تعالى في سورة لقمان:وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّىٰ مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِيۤ أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [لقمان: 7] وقوله تعالى في الجاثية:وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يَسْمَعُ آيَاتِ ٱللَّهِ تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئاً ٱتَّخَذَهَا هُزُواً أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ } [الجاثية: 7ـ9] وقوله تعالى:وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـٰذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَىٰ رِجْسِهِمْ } [البقرة: 124ـ125] الآية. إلى غير ذلك من الآيات.

والظاهر أن معنى خرور الكفار على الآيات، في حال كونهم صماء وعمياناً، هو إكبابهم على إنكارها، والتكذيب بها، خلافاً لما ذكره الزمخشري في الكشاف، والصم في الآية جمع أصم: والعميان جمع أعمى والعلم عند الله تعالى.