الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِيۤ أُمْطِرَتْ مَطَرَ ٱلسَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُواْ يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ نُشُوراً }

أقسم جل وعلا في هذه الآية، أن الكفار الذين كذبوا نبينا صلى الله عليه وسلم، قد أتوا على القرية التي أمطرت مطر السوء، وهو أن الله أمطر عليها حجارة من سجيل، وهي سدوم قرية قوم لوط، وهذان الأمران المذكوران في هذه الآية الكريمة، وهما أن الله أمطر هذه القرية مطر السوء الذي هو حجارة السجيل، وأن الكفار أتوا عليها، ومروا بها جاء موضحاً في آيات أخرى.

أما كون الله أمطر عليها الحجارة المذكورة، فقد ذكره جل وعلا في آيات كثيرة كقوله تعالى:فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ } [الحجر: 74]، وبين في سورة الذاريات أن السجيل المذكور نوع من الطين، وذلك في قوله تعالى:قَالُوۤاْ إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إِلَىٰ قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن طِينٍ } [الذاريات: 32ـ33]، ولا شك أن هذا الطين وقعه أليم، شديد مهلك. كقوله تعالى:وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً فَسَآءَ مَطَرُ ٱلْمُنذَرِينَ } [الشعراء: 173]، وقوله تعالى:لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ } [الحجر: 72ـ74] الآية.

وأما كونهم قد أتوا على تلك القرية المذكورة فقد جاء موضحاً أيضاً في غير هذا الموضع كقوله تعالى:وَإِنَّكُمْ لَّتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُّصْبِحِينَ وَبِٱلْلَّيْلِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } [الصافات: 137ـ138] المراد بأنهم مروا على قرية قوم لوط، أن مرورهم عليها، ورؤيتهم لها خالية من أهلها ليس فيها داع، ولا مجيب، لأن الله أهلك أهلها جميعاً لكفرهم وتكذيبهم رسوله لوطا فيه أكبر واعظ وأعظم زاجر عن تكذيب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، لئلا ينزل بالذين كذبوه مثل ما نزل بقوم لوط من العذاب والهلاك، ولذا وبخهم على عدم الاعتبار بما أنزل بها من العذاب كقوله في آية الصافات المذكورة: { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } ، وكقوله تعالى: في آية الفرقان هذه: { أَفَلَمْ يَكُونُواْ يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ نُشُوراً } فقوله: أفلم يكونوا يرونها: توبيخ لهم على عدم الاعتبار كقوله في الآية الأخرى: أفلا تعقلون، ومعلوم أنهم يمرون عليها مصبحين، وبالليل وأنهم يرونها، وكقوله تعالى:وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ } [الحجر: 74ـ76] يعني: أن ديار قوم لوط بسبيل مقيم، أي بطريق مقيم، يمرون فيه عليها في سفرهم إلى الشام، وقوله تعالى: { بَلْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ نُشُوراً } ، أي لا يخافون بعثاً، ولا جزاء أو لا يرجعون بعثاً وثواباً.