الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ إِفْكٌ ٱفْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَآءُوا ظُلْماً وَزُوراً }

ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن الذين كفروا وكذبوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا في هذا القرآن العظيم، الذي أوحاه الله إليه: { إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ إِفْكٌ ٱفْتَرَاهُ }: أي ما هذا القرآن إلا كذب اختلقه محمد صلى الله عليه وسلم وأعانه عليه على الإفك الذي افتراه قوم آخرون، قيل: اليهود، وقيل: عداس مولى حويطب بن عبد العزى، ويسار مولى العلاء بن الحضرمي، وأبو فكيهة الرومي، قال ذلك النَّصر بن الحر العبدري.

وما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة من أن الكفار كذبوه وادعوا عليه أن القرآن كذب اختلقه، وأنه أعانه على ذلك قوم آخرون جاء مبيناً في آيات أخر كقوله تعالى:وَعَجِبُوۤاْ أَن جَآءَهُم مٌّنذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ ٱلْكَافِرُونَ هَـٰذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ } [ص: 4] وقوله تعالى:وَإِذَا بَدَّلْنَآ آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوۤاْ إِنَّمَآ أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } [النحل: 101] وقوله تعالى:بَلْ كَذَّبُواْ بِٱلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ فَهُمْ فِيۤ أَمْرٍ مَّرِيجٍ } [ق: 5] وقوله تعالى:وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ ٱلْحَقُّ } [الأنعام: 66] الآية. والآيات في ذلك كثيرة معلومة.

وما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة من أنهم افتروا على النبي صلى الله عليه وسلم، أنه أعانه على افتراء القرآن قوم آخرون جاء أيضاً موضحاً في آيات أخر كقوله تعالى:وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ } [النحل: 103] وقوله تعالى:فَقَالَ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ } [المدثر: 24] أي يرويه محمد صلى الله عليه وسلم عن غيره إن هذا إلا قول البشر، وقوله تعالى:وَلِيَقُولُواْ دَرَسْتَ } [الأنعام: 105] كما تقدم إيضاحه في الأنعام، وقد كذبهم الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة فيما افتروا عليه من البهتان بقوله: { فَقَدْ جَآءُوا ظُلْماً وَزُوراً } قال الزمخشري ظلمهم: أن جعلوا العربي يتلقن من الأعجمي الرومي كلاماً عربياً أعجز بفصاحته جميع فصحاء العرب والزور هو أن بهتوه بنسبه ما هو بريء منه إليه انتهى. وتكذيبه جل وعلا لهم في هذه الآية الكريمة، جاء موضحاً في مواضع أخر من كتاب الله، كقوله تعالى:لِّسَانُ ٱلَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ } [النحل: 103] كما تقدم إيضاحه في سورة النحل وقوله:وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ ٱلْحَقُّ قُل لَّسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ } [الأنعام: 66] وقوله تعالى:فَقَالَ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ قَوْلُ ٱلْبَشَرِ سَأُصْلِيهِ سَقَرَ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ } [المدثر: 24ـ27] الآية، لأن قوله: { سَأُصْلِيهِ سَقَرَ } بعذ ذكر افترائه على القرآن العظيم يدل على عظم افترائه وأنه سيصلى بسببه عذاب سقر، أعاذنا الله وإخواننا المسلمين منها، ومن كل ما قرب إليها من قول وعمل.

واعلم أن العرب تستعمل جاء وأتى بمعنى: فعل. فقوله: { فَقَدْ جَآءُوا ظُلْماً وَزُوراً } أي فعلوه وقيل بتقدير الباء: أي جاءوا بظلم، ومن إتيان بمعنى فعل قوله تعالى:لاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَوْاْ } [آل عمران: 188] الآية. أي بما فعلوه. وقول زهير بن أبي سلمى:
فما يك من خير أتوه فإنما   توارثه آباء آبائهم قبل
واعلم بأن الإفك هو أسوأ الكذب، لأنه قلب للكلام عن الحق إلى الباطل، والعرب تقول: أفكه بمعنى قلبه. ومنه قوله تعالى في قوم لوطوَٱلْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِٱلْبَيِّنَاتِ } [التوبة: 70] وقولهوَٱلْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَىٰ } [النجم: 53] وإنما قيل لها مؤتفكات، لأن الملك أفكها أي قبلها كما أوضحه تعالى بقوله تعالىفَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا } [الحجرات: 74].