الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاَءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا ٱلسَّبِيلَ } * { قَالُواْ سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَآ أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَآءَ وَلَـٰكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَآبَآءَهُمْ حَتَّىٰ نَسُواْ ٱلذِّكْرَ وَكَانُواْ قَوْماً بُوراً }

قرأ هذا الحرف عامة السبعة غير ابن كثير وحفص عن عاصم: نحشرهم: بالنون الدالة على العظمة، وقرأ ابن كثير، وحفص، عن عاصم: يحشرهم بالياء المثناة التحيتة، وقرأ عامة السبعة غير ابن عامر، فيقول بالياء المثناة التحتية، وقرأ ابن عامر فنقول بنون العظمة.

فتحصل أن ابن كثير وحفصاً يقرآن بالياء التحتية فيهما، وأن ابن عامر يقرأ بالنون فيهما، وأن باقي السبعة يقرؤون: نحشرهم بالنون، فيقول بالياء، وقد ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه يحشر الكفار يوم القيامة، وما كانوا يعبدون من دونه: أي يجمعهم جميعاً فيقول للمعبودين: أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء فزينتم لهم أن يعبدوكم من دوني، أم هم ضلوا السبيل: أي كفروا وأشركوا بعبادتكم إياكم من دوني من تلقاء أنفسهم من غير أن تأمروهم بذلك ولا أن تزينوه لهم، وأن المعبودين يقولون: سبحانك أي تنزيها لك عن الشركاء وكل ما لا يليق بجلالك وعظمتك، ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء: أي ليس للخلائق كلهم، أن يعبدوا أحداً سواك لا نحن ولا هم، فنحن ما دعوناهم إلى ذلك، بل فعلوا ذلك من تلقاء أنفسهم، من غير أمرنا، ونحن برآء منهم، ومن عبادتهم، ثم قال: { وَلَـٰكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَآبَآءَهُمْ } أي طال عليهم العمر، حتى نسوا الذكر أي نسوا ما أنزلته عليهم على ألسنة رسلك، من الدعوة إلى عبادتك وحدك، لا شريك لك، وكانوا قوماً بوراً قال ابن عباس " أي هلكى " ، وقال الحسن البصري ومالك عن الزهري: أي لا خير فيهم اهـ. الغرض من كلام ابن كثير.

وقال أبو حيان في البحر: ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء: أي ما كان يصح لنا ولا يستقيم إلى آخر كلامه.

وإذا عرفت ما ذكره جل وعلا في هذه الآية من سؤاله للمعبودين وجوابهم له، فاعلم أن العلماء اختلفوا في المعبودين. فقال بعضهم: المراد بهم الملائكة وعيسى وعزير قالوا: هذا القول يشهد له القرآن، لأن فيه سؤال عيسى والملائكة عن عبادة من عبدهم، كما قال في الملائكة:وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلاَئِكَةِ أَهَـٰؤُلاَءِ إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ قَالُواْ سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ بَلْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ ٱلْجِنَّ أَكْـثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ } [سبأ: 40ـ41] وقال في عيسى عليه السلام وعلى نبينا الصلاة والسلاموَإِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ } [المائدة: 116] وجواب الملائكة وجواب عيسى كلاهما شبيه بجواب المعبودين في آية الفرقان هذه، ولذلك اختار غير واحد من العلماء أن المعبودين الذين يسألهم الله في سورة الفرقان هذه هم خصوص العقلاء، دون الأصنام.

السابقالتالي
2