الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإَذَآ أُلْقُواْ مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُّقَرَّنِينَ دَعَوْاْ هُنَالِكَ ثُبُوراً } * { لاَّ تَدْعُواْ ٱلْيَوْمَ ثُبُوراً وَاحِداً وَٱدْعُواْ ثُبُوراً كَثِيراً }

ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن أهل النار إذا ألقوا: أي طرحوا في مكان ضيق من النار، في حال كونهم مقرنين، دعوا هنالك: أي في ذلك المكان الضيق ثبوراً، فيقال لهم: لا تدعوا ثبوراً واحداً وادعوا ثبوراً كثيراً، فقوله: مكاناً منصوب على الظرف، كما قال أبو حيان في البحر المحيط.

وما ذكره هنا من أنهم يلقون في مكان ضيق من النار، جاء مذكوراً أيضاً في غير هذا الموضع كقوله تعالى:إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةِ } [الهمزة: 8ـ9] وقوله تعالى:وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ ٱلْمَشْأَمَةِ عَلَيْهِمْ نَارٌ مُّؤْصَدَةُ } [البلد: 19ـ20] ومعنى مؤصدة في الموضعين بهمز، وبغير همز: مطبقة أبوابها، مغلقة عليهم كما أوضحناه بشواهد العربية في سورة الكهف في الكلام على قوله تعالى:وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِٱلوَصِيدِ } [الكهف: 18] ومن كان في مكان مطبق مغلق عليه، فهو في مكان ضيق، والعياذ بالله، وقد ذكر أن الواحد منهم يجعل في محله من النار بشدة كما يدق الوتد في الحائط، وعن ابن مسعود: " أن جهنم تضيق على الكافر كتضييق الزج على الرمح ". والزج بالضم: الحديدة التي في أسفل الرمح.

وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: { مُّقَرَّنِين }: أي في الأصفاد بدليل قوله تعالى في سورة إبراهيم:وَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي ٱلأَصْفَادِ } [إبراهيم: 49] والأصفاد القيود. والأظهر أن معنى مقرنين: أن الكفار يقرن بعضهم إلى بعض في الأصفاد والسلاسل، وقال بعض أهل العلم: كل كافر يقرن هو وشيطانه، وقد قال تعالىحَتَّىٰ إِذَا جَآءَنَا قَالَ يٰلَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ ٱلْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ ٱلْقَرِينُ } [الزخرف: 38].

وهذا أظهر من قول من قال: مقرنين مكتفين، ومن قول من قال: مقرنين: أي قرنت أيديهم إلى أعناقهم في الأغلال، والثبور: الهلاك والويل والخسران.

وقال ابن كثير: والأظهر أن الثبور يجمع الخسار والهلاك والويل والدمار. كما قال موسى لفرعون:وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يٰفِرْعَونُ مَثْبُوراً } [الإسراء: 102] أي هالكاً، قال عبد الله بن الزبعرى السهمي:
إذا جارى الشيطان في سنن الغســ   ــى ومن مال ميله مثبور. اهـ.
وقال الجوهري في صحاحه: والثبور الهلاك والخسران أيضاً، قال الكميت:
ورأت قضاعة في الأيا   من رأي مثبور وثابر
أي مخسور وخاسر يعني في انتسابها لليمن. اهـ.

وقوله تعالى: { دَعَوْاْ هُنَالِكَ ثُبُوراً } معنى دعائهم الثبور هو قولهم: واثبوراه، يعنون: يا ويل، ويا هلاك، تعال، فهذا حينك وزمانك.

وقال الزمخشري: ومعنى وادعوا ثبوراً كثيراً أنكم وقعتم فيما ليس ثبوركم فيه واحداً، إنما هو ثبور كثير، إما لأن العذاب أنواع وألوان، كل نوع منها ثبور، لشدته وفظاعته، أو لأنهم كلما نضجت جلودهم بدلوا غيرها، فلا غاية لهلاكهم. اهـ.

تنبيه

اعلم أنه تعالى في هذه الآية الكريمة قال: مكاناً ضيقاً، وكذلك في الأنعام في قوله تعالى:

السابقالتالي
2