الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ تَبَارَكَ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً }

ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه نزل الفرقان، وهو هذا القرآن العظيم على عبده، وهو محمد صلى الله عليه وسلم، لأجل أن يكون للعالمين نذيراً، أي منذراً، وقد قدمنا مراراً أن الإنذار هو الإعلام المقترن بتهديد وتخويف وأن كل إنذار إعلام، وليس كل إعلام إنذاراً كما أوضحناه في أول سورة الأعراف.

وهذه الآية الكريمة تدل على عموم رسالته صلى الله عليه وسلم للأسود والأحمر والجن والإنس لدخول الجميع في قوله تعالى: { لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً }.

وهذا المعنى الذي دلت عليه هذه الآية الكريمة جاء موضحاً في آيات أخر كقوله تعالى:قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً } [الأعراف: 158] وقوله تعالى:وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَآفَّةً لِلنَّاسِ } [سبأ: 28] الآية أي أرسلناك للناس كافة أي جميعاً وقوله تعالى:قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ ٱللَّهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ لأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَن بَلَغَ } [الأنعام: 19] وقوله تعالى:يٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ إِنِ ٱسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُواْ مِنْ أَقْطَارِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ فَٱنفُذُواْ لاَ تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } [الرحمن: 33ـ34] وقوله تعالى:وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ ٱلْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ ٱلْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوۤاْ أَنصِتُواْ فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْاْ إِلَىٰ قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ قَالُواْ يٰقَوْمَنَآ إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِيۤ إِلَى ٱلْحَقِّ وَإِلَىٰ طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ يٰقَوْمَنَآ أَجِيبُواْ دَاعِيَ ٱللَّهِ وَآمِنُواْ بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ وَمَن لاَّ يُجِبْ دَاعِيَ ٱللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي ٱلأَرْضَ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءُ أُوْلَـٰئِكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } [الأحقاف: 29ـ32] الآية: وفي معنى قوله تعالى تبارك أقوال لأهل العلم. قال القرطبي: تبارك اختلف في معناه. فقال الفراء هو في العربية بمعنى: تقدس وهما للعظمة، وقال الزجاج، تبارك: تفاعل من البركة. قال: ومعنى البركة: الكثرة من كل ذي خير، وقيل: تبارك: تعالى، وقيل: تعالى عطاؤه: أي زاد وكثر. وقيل المعنى: دام وثبت إنعامه قال النحاس: وهذا أولاها في اللغة والاشتقاق من برك الشيء إذا ثبت ومنه برك الجمل والطير على الماء: أي دام وثبت. انتهى محل الغرض من كلام القرطبي.

وقال أبو حيان في البحر المحيط: قال ابن عباس: تبارك لم يزل، ولا يزول: وقال الخليل: تمجد وقال الضحاك: تعظم، وحكى الأصمعي: تباركت عليكم من قول عربي صعد رابية فقال ذلك لأصحابه: أي تعاليت وارتفعت. ففي هذه الأقوال تكون صفة ذات، وقال ابن عباس أيضاً، والحسن والنخعي: هو من البركة، وهو التزايد في الخير من قبله. فالمعنى زاد خيره وعطاؤه وكثر، وعلى هذا يكون صفة فعل. انتهى محل الغرض من كلام أبي حيان.

قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: الأظهر في معنى تبارك بحسب اللغة التي نزل بها القرآن أنه تفاعل من البركة، كما جزم به ابن جرير الطبري، وعليه فمعنى تبارك تكاثرت البركات والخيرات من قبله، وذلك يستلزم عظمته وتقدسه عن كل ما لا يليق بكماله وجلاله، لأن من تأتي من قبله البركات والخيرات ويدر الأرزاق على الناس هو وحده المتفرد بالعظمة، واستحقاق إخلاص العبادة له، والذي لا تأتي من قبله بركة ولا خير، ولا رزق كالأصنام، وسائر المعبودات من دون الله لا يصح أن يعبد وعبادته كفر مخلد في نار جهنم، وقد أشار تعالى إلى هذا في قوله:

السابقالتالي
2 3