الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَدْرَؤُاْ عَنْهَا ٱلْعَذَابَ أَن تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِٱللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ ٱلْكَاذِبِينَ }

قوله تعالى: في هذه الآية الكريمة: { وَيَدْرَؤُاْ عَنْهَا ٱلْعَذَابَ أَن تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِٱللَّه } الآية، معنى: يدرأ: يدفع، والمراد بالعذاب هنا: الحد، والمصدر المنسبك من أن وصلتها في قوله: أن تشهد فاعل يدرأ: أي يدفع عنها الحد شهادتها أربع شهادات الآية.

والدليل على أن المراد بالعذاب في قوله: { وَيَدْرَؤُاْ عَنْهَا ٱلْعَذَابَ } ، الحد من أوجه:

الأول: فيها سياق الآية، فهو يدل على أن العذاب تدرؤه عنها شهاداتها هو الحد.

والثاني: انه أطلق اسم العذاب في مواضع أخر، على الحد مع دلالة السياق فيها على أن المراد بالعذاب فيها الحد كقوله تعالى في هذه السورة الكريمة:ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [النور: 2]، فقوله: { وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا } ، أي حدهما بلا نزاع. وكذلك قوله تعالى في الإماء:فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى ٱلْمُحْصَنَاتِ مِنَ ٱلْعَذَابِ } [النسا: 25] أي نصف ما على الحرائر من الجلد.

وهذه الآية: تدل على أن الزوج إذا رمى زوجته وشهد شهاداته الخمس المبينة في الآية أن المرأة يتوجه عليها الحد بشهاداته، وأن ذلك الحد المتوجه إليها بشهادات الزوج تدفعه عنها شهاداتها هي الموضحة في الآية.

ومفهوم مخالفة الآية يدل على أنها لو نكلت عن شهاداتها، لزمها الحد بسبب نكولها مع شهادات الزوج، وهذا هو الظاهر الذي لا ينبغي العدول عنه، فشهادات الزوج القاذف تدرأ عنه هو حد القذف، وتوجه إليها هي حد الزنى، وتدفعه عنها شهاداتها.

وظاهر القرآن أيضاً أنه لو قذف زوجته وامتنع من اللعان أنه يحد حد القذف فكل من امتنع من الزوجين من الشهادات الخمس وجب عليه الحد، وهذا هو الظاهر من الآيات القرآنية، لأن الزوج القاذف داخل في عموم قوله تعالى:وَٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ فَٱجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً } [النور: 4]، ولكن الله بين خروج الزوج من هذا العموم بشهاداته حيث قالوَٱلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُمْ شُهَدَآءُ إِلاَّ أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِٱللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ ٱلصَّادِقِين وَٱلْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ ٱللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ ٱلْكَاذِبِينَ } [النور: 6ـ7] فلم يجعل مخرجاً من جلد ثمانين، وعدم قبول الشهادة، والحكم بالفسق إلا بشهاداته التي قامت له مقام البينة المبرئة له من الحد. فإن نكل عن شهاداته فالظاهر وجوب الحد عليه، لأنه لم تدرأ عنه أربعة عدول يشهدون بصدقه، ولا شهادات تنوب عن الشهود. فتعين أنه يحد لأنه قاذف، ولم يأت بما يدفع عنه حد القذف، وكذلك الزوجة إذا نكلت عن أيمانها فعليها الحد، لأن الله نص على أن الذي يدرأ عنها الحد هو شهاداتها في قوله تعالى: { وَيَدْرَؤُاْ عَنْهَا ٱلْعَذَابَ } [8] الآية، وممن قال إن الزوج يلزمه الحد إن نكل عن الشهادات الأئمة الثلاثة، خلافاً لأبي حنيفة القائل بأنه يحبس، حتى يلاعن، أو يكذب نفسه، فيقام عليه حد القذف، وممن قال بأنها إن شهد هو، ونكلت هي أنها تحد بشهاداته ونكولها: مالك والشافعي والشعبي، ومكحول، وأبو عبيد، وأبو ثور.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد