الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلاۤ إِنَّ للَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُواْ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمُ }

وقوله تعالى: { قَدْ يَعْلَمُ مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ }.

بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنّه يعلم ما عليه خلقه أي من الطاعة والمعصية وغير ذلك.

وهذا المعنى الذي دلت عليه هذه الآية مع أنه معلوم بالضرورة من الدِّين، جاء مبيناً في آيات كثيرة كقوله تعالى:وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُواْ مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِي ٱلسَّمَآءِ وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذٰلِكَ وَلاۤ أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } [يونس: 61] وقوله تعالى:أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } [هود: 5] وقوله تعالى:أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَىٰ كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ } [الرعد: 33] أي هو شهيد على عباده بما هم فاعلون من خير وشر. وقوله تعالى:وَتَوكَّلْ عَلَى ٱلْعَزِيزِ ٱلرَّحِيمِ ٱلَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي ٱلسَّاجِدِينَ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } [الشعراء: 217ـ220]. وقوله تعالى:سَوَآءٌ مِّنْكُمْ مَّنْ أَسَرَّ ٱلْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِٱلْلَّيْلِ وَسَارِبٌ بِٱلنَّهَارِ } [الرعد: 10] وقوله تعالى:وَأَسِرُّواْ قَوْلَكُمْ أَوِ ٱجْهَرُواْ بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } [الملك: 13]، وقوله تعالى:وَعِندَهُ مَفَاتِحُ ٱلْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَآ إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ ٱلأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } [الأنعام: 59]، وقوله تعالى:وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } [هود: 6] وقوله تعالى:أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ } [الملك: 14] إلى غير ذلك من الآيات، وفي هذه الآيات وما في معناها أحسن وعد للمطيعين، وأشدّ وعيد للعصاة المجرمين، ولفظة " قد " في قوله تعالى في هذه الآية الكريمة: { قَدْ يَعْلَمُ مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ } للتحقيق، وإتيان " قد " للتحقيق مع المضارع كثير جداً في القرآن العظيم. كقوله تعالى:قَدْ يَعْلَمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذاً } [النور: 63] وقوله تعالى:قَدْ يَعْلَمُ ٱللَّهُ ٱلْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ } [الأحزاب: 18] الآية. وقوله تعالى:قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ ٱلَّذِي يَقُولُونَ } [الأنعام: 33] الآية. وقوله تعالى:قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي ٱلسَّمَآءِ } [البقرة: 144] الآية.

قوله تعالى: { وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُواْ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمُ }.

قوله تعالى في هذه الآية: { وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ } الظاهر أنه ليس بظرف، بل هو معطوف على المفعول به الذي هو " ما " ، من قوله: { قَدْ يَعْلَمُ مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ } ، أي ويعلم يوم يرجعون إليه، وقد ذكر الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه يوم القيامة ينبئ الخلائق بكلِّ ما عملوا؛ أي يخبرهم به ثمَّ يجازيهم عليه.

وما دلّت عليه هذه الآية الكريمة من كونه جلّ وعلا يخبرهم يوم القيامة بما عملوا جاء موضحاً في آيات كثيرة، كقوله تعالى:يُنَبَّأُ ٱلإِنسَانُ يَوْمَئِذِ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ } [القيامة: 13] وقوله تعالى:وَوُضِعَ ٱلْكِتَابُ فَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يٰوَيْلَتَنَا مَا لِهَـٰذَا ٱلْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِراً وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً } [الكهف: 49] والآيات بمثل ذلك كثيرة. والعلم عند الله تعالى.