الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَّ تَجْعَلُواْ دُعَآءَ ٱلرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَآءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }

قوله تعالى: { لاَّ تَجْعَلُواْ دُعَآءَ ٱلرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَآءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً }.

لأهل العلم في هذه الآية أقوال راجعة إلى قولين:

أحدهما: أن المصدر الذي هو دعاء مضاف إلى مفعوله، وهو الرسول صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فالرسول مدعو.

الثاني: أن المصدر المذكور مضاف إلى فاعله، وهو الرسول صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فالرسول داع.

وإيضاح معنى قول من قال: إن المصدر مضاف إلى مفعوله، أن المعنى: لا تجعلوا دعاءكم الرسول إذا دعوتموه كدعاء بعضكم بعضاً، فلا تقولوا له: يا محمد مصرّحين باسمه، ولا ترفعوا أصواتكم عنده كما يفعل بعضكم مع بعض، بل قولوا له: يا نبيّ الله، يا رسول الله، مع خفض الصوت احتراماً له صلى الله عليه وسلم.

وهذا القول: هو الذي تشهد له آيات من كتاب الله تعالى كقوله:يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَرْفَعُوۤاْ أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ ٱلنَّبِيِّ وَلاَ تَجْهَرُواْ لَهُ بِٱلْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱمْتَحَنَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى } [الحجرات: 2ـ3] وقوله تعالى:إَنَّ ٱلَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ ٱلْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُواْ حَتَّىٰ تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم } [الحجرات: 4ـ5]. وقوله تعالى:يَاأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا } [البقرة: 104] الآية، وهذا القول في الآية مروي عن سعيد بن جبير، ومجاهد، وقتادة. كما ذكره عنهم القرطبي، وذكره ابن كثير عن الضحاك، عن ابن عباس، وذكره أيضاً عن سعيد بن جبير، ومجاهد، ومقاتل، ونقله أيضاً عن مالك عن زيد بن أسلم، ثم قال: إنّ هذا القول هو الظاهر، واستدل له بالآيات التي ذكرنا وأما القول الثاني: وهو أن المصدر مضاف إلى فاعله ففي المعنى وجهان:

الأول: ما ذكره الزمخشري في الكشاف، قال إذا احتاج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اجتماعكم عنده لأمر فدعاكم فلا تتفرقوا عنه إلاّ بإذنه، ولا تقيسوا دعاءه إيّاكم على دعاء بعضكم بعضاً، ورجوعكم عن المجمع بغير إذن الداعي.

والوجه الثاني: هو ما ذكره ابن كثير في تفسيره قال، والقول في ذلك أن المعنى في { لاَّ تَجْعَلُواْ دُعَآءَ ٱلرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَآءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً } أي لا تعتقدوا أن دعاءه على غيره كدعاء غيره، فإنّ دعاءه مستجاب، فاحذروا أن يدعو عليكم، فتهلكوا. حكاه ابن أبي حاتم، عن ابن عباس، والحسن البصري، وعطية العوفي والله أعلم. انتهى كلام ابن كثير.

قال مقيّده عفا الله عنه وغفر له: هذا الوجه الأخير يأباه ظاهر القرآن، لأنّ قوله تعالى: { كَدُعَآءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً } يدل على خلافه، ولو أراد دعاء بعضهم على بعض لقال: لا تجعلوا دعاء الرسول عليكم كدعاء بعضكم على بعض فدعاء بعضهم بعضاً، ودعاء بعضهم على بعض متغايران كما لا يخفى.

السابقالتالي
2 3