الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ ٱللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ } * { رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَإِقَامِ ٱلصَّلاَةِ وَإِيتَآءِ ٱلزَّكَـاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ ٱلْقُلُوبُ وَٱلأَبْصَارُ }

قرأ هذا الحرف جميع السبعة غير ابن عامر، وشعبة، عن عاصم: { يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا } بكسر الباء الموحدة المشددة، مبنياً للفاعل، وفاعله رجال والمعنى واضح على هذه القراءة. وقرأه ابن عامر، وشعبة، عن عاصم: { يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا } بفتح الباء الموحدة المشددة، مبيناً للمفعول، وعلى هذه القراءة فالفاعل المحذوف قد دلت القراءة الأولى على أن تقديره: رجال فكأنه لما قال يسبح له فيها، قيل: ومن يسبح له فيها؟ قال رجال: أي يسبح له فيها رجال.

وقد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك ما لفظه، وقد التزمنا أنا لا نبينّ القرآن إلا بقراءة سبعية، سواء كانت قراءة أخرى في الآية المبينة نفسها، أو آية أخرى غيرها إلى آخره، وإنما ذكرنا أن الآية يبين بعض القراءات فيها معنى بعض، لأن المقرر عند العلماء أن القراءتين في الآية الواحدة كالآيتين.

وإذا علمت ذلك فاعلم أن قراءة الجمهور: يسبح بكسر الباء وفاعله رجال، مبينة أن الفاعل المحذوف في قراءة ابن عامر، وشعبة، عن عاصم: يسبح بفتح الباء مبنياً للمفعول لحذف الفاعل هو رجال كما لا يخفى. والآية على هذه القراءة حذف فيها الفاعل ليسبح، وحذف أيضاً الفعل الرافع للفاعل الذي هو رجال على حد قوله في الخلاصة:
ويرفع الفاعل فعل أضمرا   كمثل زيد في جواب من قرا
ونظير ذلك في كلام العرب قول ضرار بن نهشل يرثي أخاه يزيد أو غيره:
ليُبْكَ يَزيد ضارعٌ لخصومة   ومُخْتَبطٌ مما تطيح الطوائح
فقوله: ليُبكَ يزيد بضم الياء المثناة التحتية، وفتح الكاف مبنياً للمفعول، فكأنه قيل ومن يبكيه؟ فقال: يبكيه ضارع لخصومة إلخ. وقراءة ابن عامر، وشعبة هنا كقراءة ابن كثير:كَذَلِكَ يُوحِيۤ إِلَيْكَ } [الشورى: 3] بفتح الحاء مبنياً للمفعول فقوله: الله فاعل يوحي المحذوفة، ووصفه تعالى لهؤلاء الرجال الذين يسبِّحون له بالغُدو والآصال، بكونهم لاتلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة على سبيل مدحهم، والثناء عليهم. يدلّ على أن تلك الصفات لا ينبغي التساهل فيها بحال، لأن ثناء الله على المتصف بها يدل على أنّ من أخلّ بها يستحق الذمّ الذي هو ضد الثناء،ويوضح ذلك أن الله نهى عن الإخلال بها نهياً جازماً في قوله تعالى:يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ } [المنافقون: 9] وقوله تعالى:يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ ٱلْجُمُعَةِ فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلْبَيْعَ } [الجمعة: 9] الآية إلى غير ذلك من الآيات.

مسائل تتعلق بهذه الآية الكريمة

المسألة الأولى: اعلم أنه على قراءة ابن عامر، وشعبة: يسبَّح بفتح الباء يحسن الوقف على قوله: بالآصال، وأما على قراءة الجمهور يسبَّح بالكسر، فلا ينبغي الوقف على قوله: بالآصال، لأن فاعل يسبح رجال، والوقف دون الفاعل لا ينبغي كما لا يخفى.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10