الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلْيَسْتَعْفِفِ ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَٱلَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِّن مَّالِ ٱللَّهِ ٱلَّذِيۤ آتَاكُمْ وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَاتِكُمْ عَلَى ٱلْبِغَآءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِّتَبْتَغُواْ عَرَضَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُنَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

قوله تعالى: { وَلْيَسْتَعْفِفِ ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ }.

هذا الاستعفاف المأمور به في هذه الآية الكيمو، هو المذكور في قوله:قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ذٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ } [النور: 30] وقوله تعالى: { وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلزِّنَىٰ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَآءَ سَبِيلاً } [الإسراء: 32] ونمو ذلك من الطحال قوله تعالى في هذه الآية الكريمة: { فِإِنَّ ٱللَّهِ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } قيل غفور لهن. وقيل غفور لهم. وقيل غفور لهنّ ولهم.

وأظهرها: أن المعنى غفور لهن لأن المكره لا يؤاخذ بما أُكْرِه عليه، بل يغفره الله له لعذره بالإكراه كما يوضحه قوله تعالى:إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِٱلإِيمَانِ } [النحل: 106] الآية، ويؤيّده قراءة ابن مسعود، وجابر بن عبد الله، وابن جبير، " فإن الله من بعد إكراههن لهن غفور رحيم ". ذكره عنه القرطبي، وذكره الزمخشري عن ابن عباس رضي الله عنهم جميعاً.

وقد قدّمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك أنا لا نبين القرآن بقراءة شاذة، وربما ذكرنا القراءة الشاذة استشهاداً بها لقراءة سبعيّة كما هنا، فزيادة لفظة لهن في قراءة من ذكرنا استشهاد بقراءة شاذة لبيان بقراءة غير شاذة أن الموعود بالمغفرة والرحمة، هو المعذور بالإكراه دون المكره، لأنه غير معذور في فعله القبيح، وذلك البيان المذكور بقوله:إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِٱلإِيمَانِ } [النحل: 106].

وقال الزمخشري في تفسير هذه الآية الكريمة: فإن قلت لا حاجة إلى تعليق المغفرة بهن، لأن المكرهة على الزِّنى، بخلاف المكره عليه في أنها غير آثمة.

قلت: لعل الإكراه كان دون ما اعتبرته الشريعة من إكراه بقتل، أو بما يخاف منه التلف، أو ذهاب العضو من ضرب عنيف أو غيره، حتى يسلم من الإثم، وربما قصرت عن الحد الذي تعذر فيه فتكون آثمة. انتهى منه.

والذي يظهر أنه لا حاجة إليه لأن إسقاط المؤاخذة بالإكراه يصدق عليه أنه غفران ورحمة من الله بعبده.

والعلم عند الله تعالى.