الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ ٱلْفَضْلِ مِنكُمْ وَٱلسَّعَةِ أَن يُؤْتُوۤاْ أُوْلِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْمَسَاكِينَ وَٱلْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلْيَعْفُواْ وَلْيَصْفَحُوۤاْ أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

نزلت هذه الآية الكريمة في أبي بكر رضي الله عنه، ومسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب، وكان مسطح المذكور من المهاجرين وهو فقير، وكانت أمه ابنة خالة أبي بكر رضي الله عنه، وكان أبو بكر ينفق عليه لفقره وقرابته وهجرته، وكان ممن تكلم في أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بالإفك المذكور في قوله تعالى:إِنَّ ٱلَّذِينَ جَآءُوا بِٱلإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنْكُمْ } [النور: 11] الاية، وهو ما رموها به من أنها فجرت مع صفوان بن المعطل السلمي رضي الله عنه.

وقصة الإفك معروفة مشهورة ثابتة في عشر آيات من هذه السورة الكريمة، وفي الأحاديث الصحاح، فلما نزلت براءة عائشة رضي الله عنها في الآيات المذكورة، حلف أبو بكر ألا ينفق على مسطح، ولا ينفعه بنافعة بعد ما رمى عائشة بالإفك ظلماً وافتراء، فأنزل الله في ذلك: { وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ ٱلْفَضْلِ مِنكُمْ وَٱلسَّعَةِ أَن يُؤْتُوۤاْ أُوْلِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْمَسَاكِينَ وَٱلْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } الآية. وقوله: { وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ ٱلْفَضْلِ مِنكُمْ وَٱلسَّعَة } أي لا يحلف فقوله: يأتل وزنه يفتعل من الألية وهي اليمين، تقول العرب آلى يؤلي وائتلى إذا حلف، ومنه قوله تعالى:لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ } [البقرة: 226] أي يحلفون مضارع آلى يؤلي إذا حلف. ومنه قول امرئ القيس:
ويوما على ظهر الكثيب تعذرت   علي وآلت حلفة لم تحلل
أي حلفت حلفة. وقول عاتكة بنت زيد العدوية ترثي زوجها عبد الله بن أبي بكر رضي الله عنهم:
فآليت لا تنفك عيني حزينة   عليك ولا ينفك جلدي أغبرا
والألية اليمين، ومنه قول الآخر يمدح عمر بن عبد العزيز:
قليل الألايا حافظ ليمينه   وإن سبقت منه الألية برت
أي لا يحلف أصحاب الفضل والسعة: أي الغنى كأبي بكر رضي الله عنه، أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله كمسطح بن أثاثة. وقوله: أن يؤتوا: أي لا يحلفوا عن أن يؤتوا، أو لا يحلفوا ألا يؤتوا وحذف حرف الجر قبل المصدر المنسبك من أن وأن وصلتهما مطرد. وكذلك حذف لا النافية قبل المضارع بعد القسم، ولا يؤثر في ذلك هنا كون القسم منهياً عنه. ومفعول يؤتوا الثاني محذوف: أي أن يؤتوا أولي القربى النفقة والإحسان، كما فعل أبو بكر رضي الله عنه.

وقال بعض أهل العلم قوله: ولا يأتل: أي لا يقصر أصحاب الفضل، والسعة كأبي بكر في إيتاء أولي القربى كمسطح، وعلى هذا فقوله يأتل يفتعل من ألا يألوا في الأمر إذا قصر فيه وأبطأ.

ومنه قوله تعالى:يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً } [آل عمران: 118] أي لا يقصرون في مضرتكم، ومنه بهذا المعنى قول الجعدي:
وأشمط عريان يشد كتافه   يلام على جهد القتال وما ائتلا

السابقالتالي
2 3 4