الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ }

قوله تعالى: { ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ }.

ظاهر هذه الآية الكريمة: أن كل زانية وكل زان: يجب جلد كل واحد منهما مائة جلدة، لأن الألف واللام في قوله { ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي } إن قلنا: إنهما موصول وصلتهما الوصف الذي هو اسم الفاعل الذي هو الزانية والزاني، فالموصولات من صيغ العموم.

وإن قلنا إنهما للتعريف لتناسي الوصفية، وإن مرتكب تلك الفاحشة يطلق عليه اسم الزاني، كإطلاق أسماء الأجناس، فإن ذلك يفيد الاستغراق، فالعموم الشامل لكل زانية وكل زان، هو ظاهر الآية، على جميع الاحتمالات.

وظاهر هذا العموم شموله للعبد، والحر، والأمة، والبكر، والمحصن من الرجال والنساء.

وظاهره أيضاً: أنه لا تغرب الزانية، ولا الزاني عاماً مع الجلد، ولكن بعض الآيات القرآنية دل على أن عموم الزانية يخصص مرتين.

إحداهما: تخصيص حكم جلدها مائة بكونها حرة، أما إن كانت أمة، فإنها تجلد نصف المائة وهو خمسون وذلك في قوله تعالى في الإماءفَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى ٱلْمُحْصَنَاتِ مِنَ ٱلْعَذَابِ } [النساء: 25] والمراد بالمحصنات هنا: الحرائر والعذاب الجلد، وهو بالنسبة إلى الحرة الزانية: مائة جلدة والأمة عليها نصفه بنص آية النساء هذه، وهو خمسون. فآيةفَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى ٱلْمُحْصَنَاتِ مِنَ ٱلْعَذَابِ } [النساء: 25] مخصصة لعموم قوله { ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي } الآية بالنسبة إلى الزانية الأنثى.

وأما التخصيص للمرة الثانية لعموم الزانية في آية النور هذه فهو بآية منسوخة التلاوة، باقية الحكم، تقتضي أن عموم الزانية هنا مخصص بكونها بكراً.

أما إن كانت محصنة، بمعنى أنها قد تزوجت من قبل الزنى، وجامعها زوجها في نكاح صحيح فإنها ترجم.

والآية التي خصصتها بهذا الحكم الذي ذكرنا أنها منسوخة التلاوة باقية الحكم هي قوله تعالى: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم.

وهذا التخصيص إنما هو على قول من يقول: لا يجمع للزاني المحصن، بين الجلد والرجم، وإنما يرجم فقط بدون جلد.

أما على قول من يرى الجمع بينهما فلا تخصيص، وإنما في آية الرجم زيادته على الجلد، فكلتا الآيتين أثبتت حكماً لم تثبته الأخرى، وسيأتي إيضاح هذا إن شاء الله غير بعيد وأقوال أهل العلم فيه ومناقشة أدلتهم.

أما الزاني الذكر فقد دلت الآية التي ذكرنا، أنها منسوخة التلاوة، باقية الحكم على تخصيص عمومه، وأن الذي يجلد المائة من الذكور، إنما هو الزاني البكر، وأما المحصن فإنه يرجم، وهذا التخصيص في الذكر أيضاً إنما هو على قول من لا يرى الجمع بين الجلد والرجم، كما أوضحناه قريباً في الأنثى.

وأما على قول من يرى الجمع بينهما فلا تخصيص، بل كل واحدة من الآيتين أثبتت حكماً لم تثبته الأخرى.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد