الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱدْفَعْ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ٱلسَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ } * { وَقُلْ رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ ٱلشَّياطِينِ } * { وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ }

هذا الذي تضمنته هذه الآيات الثلاث مما ينبغي أن يعامل به شياطين الإنس وشياطين الجن. قد قدمنا الآيات الدالة عليه بإيضاح في آخر سورة الأعراف، في الكلام على قوله تعالى:خُذِ ٱلْعَفْوَ وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْجَاهِلِينَ وَإِماَّ يَنَزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَانِ نَزْغٌ } [الأعراف: 199-200] الآية. وقوله في هذه الآية: { بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } أي بالخصلة التي هي أحسن الخصال، والسيئة مفعول ادفع ووزن السيئة، فيعلة أصلها: سيوئة وحروفها الأصلية السين والواو والهمزة، وقد زيدت الياء الساكنة بين الفاء والعين، فوجب إبدال الواو التي هي عين الكلمة ياء وإدغام ياء الفيعلة الزائدة فيها على القاعدة التصريفية المشارك بقول ابن مالك في الخلاصة:
إن يسكن السابق من واو ويا   واتصلا ومن عروض عريا
فياء الواو اقلبن مدغماً   وشذ معطى غير ما قد رسما
كما قدمناه مراراً. والسيئة في اللغة: الخصلة من خصال السوء. وقوله تعالى: { نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ } أي بما تصفه ألسنتهم من الكذب في تكذيبهم لك، وادعائهم الأولاد والشركاء لله. وقد قدمنا في سورة المائدة أن اللين والصفح المطلوب في آيات القرآن بعد نزول القتال إنما هو بالنسبة إلى المؤمنين، دون الكافرين في الكلام على قوله تعالى:أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } [المائدة: 54] وبينا الآيات الدالة على ذلك كقوله في النَّبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابهأَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ } [الفتح: 29] وقوله:وَٱخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ } [الحجر: 88] وقوله:يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ جَاهِدِ ٱلْكُفَّارَ وَٱلْمُنَافِقِينَ وَٱغْلُظْ عَلَيْهِمْ } [التحريم: 9] إلى آخر ما تقدم. وقوله في هذه الآية: { وَقُلْ رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ ٱلشَّياطِينِ } الهمزات: جمع همزة وهي المرة من فعل الهمز، وهو في اللغة: النخس والدفع، وهمزات الشياطين: نخساتهم لبني آدم ليحثوهم، ويحضوهم على المعاصي، كما أوضحنا الكلام عليه في قوله تعالى:أَنَّآ أَرْسَلْنَا ٱلشَّيَاطِينَ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً } [مريم: 83] وكقوله تعالى:وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ } [الزخرف: 36-37] الآية.

والظاهر في قوله: { وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ } أن المعنى: أعوذ بك أن يحضرني الشيطان في أمر من أموري كائناً ما كان، سواء كان ذلك وقت تلاوة القرآن، كما قال تعالى:فَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرْآنَ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ مِنَ ٱلشَّيْطَانِ ٱلرَّجِيمِ } [النحل: 98] أو عند حضور الموت أو غير ذلك من جميع الشؤون في جميع الأوقات. والعلم عند الله تعالى.