الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ قُل لِّمَنِ ٱلأَرْضُ وَمَن فِيهَآ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } * { سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ } * { قُلْ مَن رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ ٱلسَّبْعِ وَرَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْعَظِيمِ } * { سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ } * { قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجْيِرُ وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } * { سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّىٰ تُسْحَرُونَ }

قدمنا ما دلت عليه هذه الآيات الكريمة، من كماله وجلاله وأوصاف ربوبيته المستلزمة لإخلاص العبادة له وحده، في سورة يونس في الكلام على قوله تعالى:قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ ٱلسَّمْعَ وٱلأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ ٱلْمَيِّتَ مِنَ ٱلْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ ٱللَّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ } [يونس: 31] وفي سورة بني إسرائيل في الكلام على قوله:إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ } [الإسراء: 9] وأوضحنا دلالة توحيده في ربوبيته، على توحيده في عبادته وقد ذكرنا كثيراً من الآيات القرآنية الدالة على ذلك، مع الإيضاح، فأغنى ذلك عن إعادته هنا.

وقوله في هذه الآية الكريمة: { مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ } الملكوت: فعلوت من الملك: أي من بيده ملك كل شيء، بمعنى: من هو مالك كل شيء كائناً ما كان: وقال بعض أهل العلم: زيادة الواو والتاء في نحو: الملكوت، والرحموت، والرهبوت بمعنى الملك والرحمة، والرهبة: تفيد المبالغة في ذلك. والله تعالى أعلم.

وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: { وَهُوَ يُجْيِرُ وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ } أي هو يمنع من شاء ممن شاء، ولا يمنع أحد منه أحداً شاء أن يهلكه أو يعذبه، لأنه هو القادر وحده، على كل شيء، وهو القاهر فوق عباده، وهو الحكيم الخبير. ومنه قول الشاعر.
أراك طفقت تظلم من أجرنا   وظلم الجار إذلال المجير
وقوله تعالى: { فَأَنَّىٰ تُسْحَرُونَ } أي كيف تخدعون، وتصرفون عن توحيد ربكم، وطاعته مع ظهور براهينه القاطعة وأدلته الساطعة، وقيل: { فَأَنَّىٰ تُسْحَرُونَ } أي كيف يخيل إليكم، أن تشركوا به ما لا يضر، ولا ينفع، ولا يغني عنكم شيئاً بناء على أن السحر هو التخييل.

وقد قدمنا الكلام على السحر مستوفى في سورة طه في الكلام على قوله تعالى:وَلاَ يُفْلِحُ ٱلسَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ } [طه: 69] والظاهر أن معنى تسحرون هنا: تخدعون بالشبه الباطلة فيذهب بعقولكم، عن الحق كما يفعل بالمسحور. والله تعالى أعلم.

وقوله: { أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ } قرأه حفص عن عاصم، وحمزة، والكسائي بتخفيف الذال بحذف إحدى التاءين، والباقون بالتشديد لإدغام التاءين في الذال.

وقوله تعالى: { سَيَقُولُونَ لِلَّهِ } جاء في هذه الآيات ثلاث مرات.

الأول: { سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ }. وهذه اتفق جميع السبعة على قراءتها بلام الجر الداخلة على لفظ الجلالة، لأنها جواب المجرور بلام الجر، وقوله تعالى: { قُل لِّمَنِ ٱلأَرْضُ وَمَن فِيهَآ } فجواب لمن الأرض، هو أن تقول: لله، وأما الثاني الذي هو { سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ } والثالث: الذي هو قوله { سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّىٰ تُسْحَرُونَ } فقد قرأهما أبو عمرو بحذف لام الجر ورفع الهاء من لفظ الجلالة.

والمعنى: على قراءة أبي عمرو المذكورة واضح لا إشكال فيه، لأن الظاهر في جواب من رب السموات السبع، ورب العرش العظيم، أن تقول: الله بالرفع أي رب ما ذكر هو الله، وكذلك جواب قوله: { مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ } الآية.

السابقالتالي
2