ذكر جل وعلا في هذه الآيات الكريمة: أن من صفات المؤمنين المفلحين الذين يرثون الفردوس ويخلدون فيها حفظهم لفروجهم: أي من اللواط والزنى، ونحو ذلك، وبين أن حفظهم فروجهم، لا يلزمهم عن نسائهم الذين ملكوا الاستمتاع بهن بعقد الزواج أو بملك اليمين، والمراد به التمتع بالسراري، وبين أن من لم يحفظ فرجه عن زوجه أو سريته لا لوم عليه، وأن من ابتغى تمتعاً بفرجه، وراء ذلك غير الأزواج والمملوكات فهو من العادين: أي المعتدين المتعدين حدود الله، المجاوزين ما أحله الله إلى ما حرمه. وبين معنى العادين في هذه الآية قوله تعالى في قوم لوط:{ أَتَأْتُونَ ٱلذُّكْرَانَ مِنَ ٱلْعَالَمِينَ وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ } [الشعراء: 165-166] وهذا الذي ذكره هنا أيضاً في سورة سأل سائل لأنه قال فيها في الثناء على المؤمنين{ وَٱلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَأِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ٱبْتَغَىٰ وَرَآءَ ذَلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْعَادُونَ } [المعارج: 29-31]. مسائل تتعلق بهذه الآية الكريمة المسألة الأولى: اعلم أن ما في قوله { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } من صيغ العموم، والمراد بها من وهي من صيغ العموم. فآية{ قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ } [المؤمنون: 1] وآية{ سَأَلَ سَآئِلٌ } [المعارج: 1] تدل بعمومها المدلول عليه بلفظة ما، في قوله { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } في الموضعين على جواز جمع الأختين بملك اليمين في التسري بهما معاً لدخولهما في عموم { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } وبهذا قال داود الظاهري، ومن تبعه: ولكن قوله تعالى{ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ ٱلأخْتَيْنِ } [النساء: 23] يدل بعمومه على منع جمع الأختين، بملك اليمين، لأن الألف واللام في الأختين صيغة عموم، تشمل كل أختين. سواء كانتا بعقد أو ملك يمين ولذا قال عثمان رضي الله عنه، لما سئل عن جمع الأختين بملك اليمين: أحلتهما آية، وحرمتهما أخرى يعني بالآية المحللة { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } وبالمحرمة { وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ ٱلأخْتَيْنِ }. وقد أوضحنا هذه المسألة في كتابنا دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب وسنذكر هنا إن شاء الله المهم مما ذكرنا فيه ونزيد ما تدعو الحاجة إلى زيادته. وحاصل تحرير المقام في ذلك: أن الآيتين المذكورتين بينهما عموم، وخصوص من وجه، يظهر للناظر تعارضهما في الصورة التي يجتمعان فيها كما قال عثمان رضي الله عنهما: أحلتهما آية، وحرمتهما أخرى وإيضاحه أن آية: { وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ ٱلأخْتَيْنِ } تنفرد عن آية { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } في الأختين المجموع بينهما، بعقد نكاح وتنفرد آية { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } في الأمة الواحدة، أو الأمتين اللتين ليستا بأختين، ويجتمعان في الجمع بين الأختين، فعموم { وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ ٱلأخْتَيْنِ } يقتضي تحريمه، وعموم { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } يقتضي إباحته، وإذا تعارض الأعمان من وجه في الصورة التي يجتمعان فيها: وجب الترجيح بينهما، والراجح منهما، يقدم ويخصص به عموم الآخر، كما أَشار له في مراقي السعود بقوله: