الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ } * { قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَسْئَلِ ٱلْعَآدِّينَ }

في هذه الآية سؤال معروف: وهو أنهم لما سئلوا يوم القيامة عن قدر مدة لبثهم في الأرض في الدنيا أجابوا بأنهم لبثوا يوماً أو بعض يوم، مع أنه قد دلت آيات أخر على أنهم أجابوا بغير هذا الجواب كقوله تعالى:يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً } [طه: 103] والعشر أكثر من يوم أو بعضه، وكقوله تعالى:وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يُقْسِمُ ٱلْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُواْ غَيْرَ سَاعَةٍ } [الروم: 55] والساعة: أقل من يوم أو بعضه، وقوله:كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا } [النازعات: 46] وقوله:كَأَن لَّمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ ٱلنَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ } [يونس: 45] وقوله تعالى:كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ بَلاَغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْفَاسِقُونَ } [الأحقاف: 35].

وقد بينا الجواب عن هذا السؤال في كتابنا: دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب في الكلام على هذه الآية بما حاصله: أن بعضهم يقول لبثنا يوماً أو بعض يوم، ويقول بعض آخر منهم: لبثنا ساعة ويقول بعض الآخر منهم: لبثنا عشراً.

والدليل على هذا الجواب من القرآن أنه تعالى بين أن أقوالهم إدراكاً، وأرجحهم عقلاً، وأمثلهم طريقة هو من يقول: إنهم ما لبثوا إلا يوماً واحداً، وذلك في قوله تعالى:يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً } [طه: 103-104] فالآية صريحة في اختلاف أقوالهم، وعلى ذلك فلا إشكال والعلم عند الله تعالى.

وقوله تعالى: { فَاسْأَلِ ٱلْعَآدِّينَ } أي الحاسبين، الذين يضبطون مدة لبثنا، وقرأ ابن كثير والكسائي بنقل حركة الهمزة إلى السين، وحذف الهمزة. والباقون: فاسأل بغير نقل، وقرأ ابن كثير والكسائي: قل كم لبثتم بضم القاف وسكون اللام بصيغة الأمر، وقرأ الباقون: قال كم لبثتم بفتح القاف بعدها ألف وفتح اللام بصيغة الفعل الماضي.

وقال الزمخشري ما حاصله، إنه على قراءة قال بصيغة الماضي فالفاعل ضمير يعود إلى الله، أو إلى من أمر بسؤالهم من الملائكة، وعلى قراءة قل بصيغة الأمر، فالضمير راجع إلى الملك المأمور بسؤالهم أو بعض رؤساء أهل النار هكذا قال. والله تعالى أعلم. وقد صدقهم الله جل وعلا وفي قلة لبثهم في الدنيا بقوله:قَالَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } [المؤمنون: 114] لأن مدة مكثهم في الدنيا قليلة جداً. بالنسبة إلى طول مدتهم خالدين في النار، والعياذ بالله. وقرأ حمزة والكسائي: قل إن لبثتم إلا قليلاً بصيغة الأمر والباقون بصيغة الماضي.