الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَتُصْبِحُ ٱلأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ }

الظاهر: أن " تر " هنا من رأى بمعنى: علم. لأن إنزال المطر وإن كان مشاهداً بالبصر فكون الله هو الذي أنزله، إنما يدرك بالعلم لا بالبصر. فالرؤية هنا علمية عَلَى التحقيق.

فالمعنى: ألم تعلم الله منزلاً من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة: أي ذات خضرة بسبب النبات الذي ينبته الله فيها بسبب إنزاله من الماء من السماء، وهذه آية من آياته وبراهين قدرته عَلَى البعث كما بيناه مراراً. وهذا المعنى المذكور هنا من كون إنبات نبات الأرض، بإنزاله الماء من آياته الدالة، عَلَى كمال قدرته جاء موضحاً في آيات كثيرة، كقوله تعالىوَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى ٱلأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا ٱلْمَآءَ ٱهْتَزَّتْ وَرَبَتْ } [فصلت: 39] ثم بين أن ذلك من براهين البعث بقوله:إِنَّ ٱلَّذِيۤ أَحْيَاهَا لَمُحْىِ ٱلْمَوْتَىٰ } [فصلت: 39] وكقوله:فَٱنظُرْ إِلَىٰ آثَارِ رَحْمَةِ ٱللَّهِ كَيْفَ يُحْيِيِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَآ } [الروم: 50] ثم بين أن ذلك من براهين البعث بقوله:إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ ٱلْمَوْتَىٰ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [الروم: 50] وقوله:وَنَزَّلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً مُّبَارَكاً فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ ٱلْحَصِيدِ وَٱلنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ رِّزْقاً لِّلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً } [ق: 9-11] ثم بين أن ذلك من براهين البعث بقوله:كَذَلِكَ ٱلْخُرُوجُ } [ق: 11] أي خروجكم من قبوركم أحياء بعد الموت، كقوله:وَيُحْيِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ } [الروم: 19] وقوله:وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً } [ق: 11]كَذٰلِكَ نُخْرِجُ ٱلْموْتَىٰ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } [الأعراف: 57] والآيات بمثل هذا كثيرة.

تنبيه

في هذه الآية الكريمة سؤالان معروفان:

الأول: هو ما حكمة عطف المضارع في قوله: فتصبح على الماضي الذي هو أنزل؟

السؤال الثاني: ما وجه الرفع في قوله: فتصبح مع أن قبلها استفهاماً؟

فالجواب عن الأول: أن النكتة في المضارع هي إفادة بقاء أثر المطر زماناً بعد زمان كما تقول: أنعم على فلان عام كذا وكذا، فأروح وأغدو شاكراً له، ولو قلت: فغدوت ورحت، لم يقع ذلك الموقع، هكذا أجاب به الزمخشري.

والذي يظهر لي والله أعلم: أن التعبير بالمضارع يفيد استحضار الهيأة التي اتصفت بها الأرض: بعد نزول المطر، والماضي لا يفيد دوام استحضارها لأنه يفيد انقطاع الشيء، أما الرفع في قوله: فتصبح، فلأنه ليس مسبباً عن الرؤية التي هي موضع الاستفهام، وإنما هو مسبب الإنزال في قوله: أنزل، والإنزال الذي هو سبب إصباح الأرض مخضرة ليس فيه استفهام، ومعلوم أن الفاء التي ينصب بعدها المضارع إن حذفت جاز جعل مدخولها جزاء للشرط، ولا يمكن أن تقول هنا: إن تر أن الله أنزل من السماء ماء، تصبح الأرض مخضرة، لأن الرؤية لا أثر لها ألبتة في اخضرار الأرض، بل سببه إنزال الماء لا رؤية إنزاله.

وقد قال الزمخشري في الكشاف في الجواب عن هذا السؤال: فإن قلت: فما له رفع ولم ينصب جواباً للاستفهام.

السابقالتالي
2