قوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّمَآ أَنَاْ لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ }. أمر الله جل وعلا نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية أن يقول للناس { إِنَّمَآ أَنَاْ لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } أي إني لست بربكم، ولا بيدي هدايتكم ولا علي عقابكم يوم القيامة، ولكني مخوف لكم من عذاب الله وسخطه. والآيات بهذا المعنى كثيرة جداً كقوله تعالى{ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلاَغُ وَعَلَيْنَا ٱلْحِسَابُ } [الرعد: 40] وقوله:{ إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ } [الرعد: 7] وقوله{ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } [الشعراء: 115] وقوله{ فَمَآ أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ } [الشورى: 48] وقوله{ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَّكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ } [سبأ: 46] وقوله{ تَبَارَكَ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً } [الفرقان: 1] والآيات في هذا المعنى كثيرة جداً. وقوله في هذه الآية الكريمة: مبين الظاهر أنه الوصف من أبان الرباعية اللازمة التي بمعنى بان، والعرب تقول: أبان فهو بين معنى بان، فهو بين من اللازم الذي ليس بمتعد إلى المفعول، ومنه قول كعب بن زهير:
قنواء في حرتيها للبصير بها
عتق مبين وفي الخدين تسهيل
فقوله: عتق مبين: أي كرم ظاهر ومن أبان اللازمة قول عمر بن أبي ربيعة المخزومي:
لو دب ذر فوق ضاحي جلدها
لأبان من آثارهن حدور
يعني لظهر وبان من آثارهن ورم ومنه قول جرير:
إذا آباؤنا وأبوك عدوا
أبان المقرفات من العراب
أي ظهر: وبان المقرفات من العراب، ويحتمل أن يكون قوله في هذه الآية: مبين: اسم فاعل أبان المتعدية، والمفعول محذوف للتعميم: أي مبين لكم في إنذاري كل ما ينفعكم، وما يضركم لتجتلبوا النفع، وتجتنبوا الضر، والأول أظهر. والله أعلم.