الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ ذٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ ٱللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ ٱلأَنْعَامُ إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱجْتَنِبُواْ ٱلرِّجْسَ مِنَ ٱلأَوْثَانِ وَٱجْتَنِبُواْ قَوْلَ ٱلزُّورِ } * { حُنَفَآءَ للَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَتَخْطَفُهُ ٱلطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ ٱلرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ }

قوله تعالى: { وَأُحِلَّتْ لَكُمُ ٱلأَنْعَامُ إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ }.

لم يبين هنا هذا الذي يتلى عليهم المستثنى من حلية الأنعام، ولكنه بينه بقوله في سورة الأنعام:قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَآ أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ } [الأنعام: 145] وهذا الذي ذكرنا هو الصواب، أما ما قاله جماعات من أهل التفسير من أن الآية التي بينت الإجمال في قوله تعالى هنا: { إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ } أنها قوله تعالى في المائدة:حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ وَٱلْدَّمُ وَلَحْمُ ٱلْخِنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ وَٱلْمُنْخَنِقَةُ وَٱلْمَوْقُوذَةُ } [المائدة: 3] الآية فهو غلط، لأن المائدة من آخر ما نزل من القرآن وآية الحج هذه نازلة قبل نزول المائدة بكثير، فلا يصح أن يحال البيان عليها في قوله: { إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ } بل المبين لذلك الإجمال آية الأنعام التي ذكرنا لأنها نازلة بمكة، فيصح أن تكون مبينة لآية الحج المذكورة كما نبه عليه غير واحد.

أما قوله تعالى في المائدة:أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ ٱلأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ } [المائدة: 1] فيصح بيانه بقوله في المائدة: { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ وَٱلْدَّمُ } الآية. كما أوضحنا في أول المائدة والعلم عند الله تعالى.

قوله تعالى: { فَٱجْتَنِبُواْ ٱلرِّجْسَ مِنَ ٱلأَوْثَانِ }.

" من " في هذه الآية بيانية.

والمعنى: فاجتنبوا الرجس الذي هو الأوثان: أي عبادتها والرجس القذر الذي تعافه النفوس، وفي هذه الآية الكريمة الأمر باجتناب عبادة الأوثان، ويدخل في حكمها، ومعناها عبادة كل معبود من دون الله كائناً من كان. وهذا الأمر باجتناب عبادة غير الله المذكور هنا، جاء مبيناً في آيات كقوله تعالى:وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱجْتَنِبُواْ ٱلْطَّاغُوتَ } [النحل: 36] وبيَّن تعالى أن ذلك شرط في صحة إيمانه بالله في قوله:فَمَنْ يَكْفُرْ بِٱلطَّاغُوتِ وَيْؤْمِن بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسْتَمْسَكَ بِٱلْعُرْوَةِ ٱلْوُثْقَىٰ } [البقرة: 256] وأثنى الله على مجتنبي عبادة الطاغوت المنيبين لله، وبين أن لهم البشرى، وهي ما يسرهم عند ربهم في قوله تعالى:وَٱلَّذِينَ ٱجْتَنَبُواْ ٱلطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ } [الزمر: 17] الآية. وقد سأل إبراهيم ربه أن يرزقه اجتناب عبادة الطاغوت، في قوله تعالى:وَٱجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ ٱلأَصْنَامَ } [إبراهيم: 35] والأصنام، تدخل في الطاغوت دخولاً أولياً.

قوله تعالى: { وَٱجْتَنِبُواْ قَوْلَ ٱلزُّورِ حُنَفَآءَ للَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ }.

أمر في هذه الآية الكريمة باجتناب قول الزور، وهو الكذب والباطل كقولهم: إن الله حرم البحيرة والسائبة، ونحو ذلك، وكادعائهم له الأولاد والشركاء، وكل قول مائل عن الحق فهو زور، لأن أصل المادة التي هي الزور من الازورار بمعنى الميل، والاعوجاج، كما أوضحناه في الكلام على قوله:

السابقالتالي
2 3