الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ لِّيَشْهَدُواْ مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ فِيۤ أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ ٱلأَنْعَامِ فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ ٱلْبَآئِسَ ٱلْفَقِيرَ }

قوله تعالى: { لِّيَشْهَدُواْ مَنَافِعَ لَهُمْ }.

اللام في قوله: ليشهدوا: هي لام التعليل: وهي متعلقة بقوله تعالى:وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ } [الحج: 27] الآية: أي إن تؤذن فيهم يأتوك مشاة وركباناً، لأجل أن يشهدوا: أي يحضروا منافع لهم، والمراد بحضورهم المنافع: حصولها لهم.

وقوله: { مَنَافِعَ } جمع منفعة، ولم يبين هنا هذه المنافع ما هي. وقد جاء بيان بعضها في بعض الآيات القرآنية، وأن منها ما هو دنيوي، وما هو أخروي، أما الدنيوي فكأرباح التجارة، إذا خرج الحاج بمال تجارة معه، فإنه يحصل له الربح غالباً، وذلك نفع دنيوي.

وقد أطبق علماء التفسير على أن معنى قوله تعالى:لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ } [البقرة: 198] أنه ليس على الحاج إثم ولا حرج، إذا ابتغى ربحاً بتجارة في أيام الحج، إن كان ذلك لا يشغله عن شيء، من أداء مناسكه كما قدمنا إيضاحه.

فقوله تعالى: { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ } فيه بيان لبعض المنافع المذكورة في آية الحج هذه وهذا نفع دنيوي.

ومن المنافع الدنيوية ما يصيبونه من البدن والذبائح كما يأتي تفصيله إن شاء الله قريباً كقوله في البدن:لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى } [الحج: 33] على أحد التفسيرين.

وقوله: { فَكُلُواْ مِنْهَا } في الموضعين، وكل ذلك نفع دنيوي، وفي ذلك بيان أيضاً لبعض المنافع المذكورة في آية الحج هذه.

وقد بينت آية البقرة على ما فسرها به جماعة من الصحابة ومن بعدهم، واختاره أبو جعفر بن جرير الطبري في تفسيره، ووجه اختياره له، بكثرة الأحاديث الدالة عليه: أن من المنافع المذكورة في آية الحج: غفران ذنوب الحاج، حتى لا يبقى عليه إثم إن كان متقياً ربه في حجه بامتثال ما أمر به، واجتناب ما نهى عنه.

وذلك أنه قال: إن معنى قوله تعالى:فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلاۤ إِثْمَ عَلَيْهِ } [البقرة: 203] أن الحاج يرجع مغفوراً له، ولا يبقى عليه إثم سواء تعجل في يومين، أو تأخر إلى الثالث، ولكن غفران ذنوبه هذا مشروط بتقواه ربه في حجه، كما صرح به في قوله تعالى:لِمَنِ ٱتَّقَىٰ } [البقرة: 203] الآية: أي وهذا الغفران للذنوب، وحط الآثام إنما هو لخصوص من اتقى.

ومعلوم أن هذه الآية الكريمة فيها أوجه من التفسير غير هذا.

وممن نقل عنهم ابن جرير أن معناها: أنه يغفر للحاج جميع ذنوبه، سواء تعجل في يومين، أو تأخر: علي وعبدالله بن مسعود، وابن عباس، وابن عمر، ومجاهد، وإبراهيم، وعامر، ومعاوية بن قرة.

ولما ذكر أقوال أهل العلم فيها قال وأولى هذه الأقوال بالصحة قول من قال: تأويل ذلك: فمن تعجل من أيام منى الثلاثة، فنفر في اليوم الثاني، فلا إثم عليه، يحط الله ذنوبه إن كان قد اتقى في حجه، فاجتنب فيه ما أمر الله باجتنابه، وفعل فيه ما أمر الله بفعله، وأطاعه بأدائه على ما كلفه من حدوده، ومن تأخر إلى اليوم الثالث منهن، فلم ينفر إلى النفر الثاني، حتى نفر من غد النفر الأول، فلا إثم عليه، لتكفير الله ما سلف من آثامه، وإجرامه إن كان اتقى الله في حجه بأدائه بحدوده.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد