الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ ٱلَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَآءً ٱلْعَاكِفُ فِيهِ وَٱلْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ }

اعلم أن خبر إن في قوله هنا { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا } محذوف كما ترى. والذي تدل عليه الآية أن التقدير إن الذين كفروا، ويصدون عن سبيل الله، نذيقهم من عذاب أليم. كما دل على هذا قوله في آخر الآية { وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } وخير ما يفسر به القرآن القرآن. فإن قيل ما وجه عطف الفعل المضارع على الفعل الماضي، في قوله { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ }. فالجواب من أربعة أوجه واحد منها ظاهر السقوط. الأول هو ما ذكره بعض علماء العربية من أن المضارع، قد لا يلاحظ فيه زمان معين من حال، أو استقبال، فيدل إذ ذاك على الاستمرار، ومنه { وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } وقولهٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ ٱللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ ٱللَّهِ } الرعد 28 قاله أبو حيان وغيره. الثاني أن يصدون خبر مبتدأ محذوف، والتقدير إن الذين كفروا، وهم يصدون، وعليه فالجملة المعطوفة اسمية لا فعلية، وهذا القول استحسنه القرطبي. الثالث أن يصدون مضارع أريد به الماضي أي كفروا، وصدوا وليس بظاهر. الرابع أن الواو زائدة، وجملة يصدون خبر إن أي إن الذين كفروا يصدون الآية. وهذا هو الذي قدمنا أنه ظاهر السقوط، وهو كما ترى، وما ذكره جل وعلا في هذه الآية من أن من أعمال الكفار الصد عن سبيل الله، وعن المسجد الحرام بينه في غير هذا الموضع كقوله تعالىوَصَدٌّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ ٱللَّهِ } البقرة 217 الآية. وقوله تعالىهُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَٱلْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ } الفتح 25 وقوله تعالىوَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ } المائدة 2 الآية إلى غير ذلك من الآيات، وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة { سَوَآءً ٱلْعَاكِفُ فِيهِ وَٱلْبَادِ } قرأه عامة السبعة غير حفص عن عاصم سواء، بضم الهمزة، وفي إعرابه على قراءة الجمهور هذه برفع سواء وجهان. الأول أن قوله العاكف مبتدأ، والباد معطوف عليه، وسواء خبر مقدم، وهو مصدر أطلق وأريد به الوصف. فالمعنى العاكف والبادي سواء، أي مستويان فيه، وهذا الإعراب أظهر الوجه. الثاني أن سواء مبتدأ والعاكف فاعل سد مسد الخبر، والظاهر أن مسوغ الابتداء بالنكرة التي هي سواء، على هذا الوجه هو عملها في المجرور الذي هو فيه، إذ المعنى سواء فيه العاكف والبادي، وجملة المبتدأ وخبره في محل المفعول الثاني لجعلنا، وقرأ حفص عن عاصم سواء بالنصب، وهو المفعول الثاني لجعلنا التي بمعنى صيرنا. والعاكف فاعل سواء أي مستوياً فيه العاكف والبادي، ومن كلام العرب مررت برجل سواء هو والعدم، ومن قال إن " جعل " في الآية تتعدى إلى مفعول واحد قال إن سواء احال من الهاء في جعلناه أي وضعناه للناس في حال كونه سواء العاكف فيه والبادي كقوله

السابقالتالي
2 3