قوله تعالى { فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارِ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ ٱلْحَمِيمُ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَٱلْجُلُودُ وَلَهُمْ مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ }. ما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة، من أنواع عذاب أهل النار، أعاذنا الله وإخواننا المسلمين منها، ومن كل ما قرب إليها من قول وعمل، وجاء مبيناً في آيات أخر من كتاب الله، فقوله هنا { قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارِ } أي قطع الله لهم من النار ثياباً، وألبسهم إياها تنقد عليهم كقوله فيهم{ سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ } إبراهيم 50 والسرابيل هي الثياب التي هي القمص، كما قدمنا إيضاحه، وكقوله{ لَهُمْ مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ } الأعراف 41 والغواشي جمع غاشية وهي غطاء كاللحاف، وذلك هو معنى قوله هنا { قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارِ } وقوله تعالى هنا { يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ ٱلْحَمِيمُ } ذكره أيضاً في غير هذا الموضع كقوله{ ثُمَّ صُبُّواْ فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ ٱلْحَمِيمِ ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْكَرِيمُ } الدخان 48-49 والحميم الماء البالغ شدة الحرارة، وكقوله تعالى{ وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٍ كَٱلْمُهْلِ يَشْوِي ٱلْوجُوهَ } الكهف 29 الآية. وقوله هنا { يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ } أي يذاب بذلك الحميم، إذا سقوه فوصل إلى بطونهم، كل ما في بطونهم من الشحم والأمعاء وغير ذلك، كقوله تعالى{ وَسُقُواْ مَآءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ } محمد 15 والعرب تقول صهرت الشيء فانصهر، فهو صهير أي أذبته فذاب، ومنه قول ابن أحمر يصف تغذية قطاة لفرخها في فلاة من الأرض
تروي لقي ألْقى في صَفْصَفٍ تَصْهره الشَّمْس فما يَنْصَهِرْ
أي تذيبه الشمس، فيصبر على ذلك، ولا يذوب، وقوله والجلود الظاهر أنه معطوف على " ما " من قوله { يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ } التي هي نائب فاعل يصهر، وعلى هذا الظاهر المتبادر من الآية، فذلك الحميم يذيب جلودهم، كما يذيب ما في بطونهم. لشدة حرارته. إذ المعنى يصهر به ما في بطونهم، وتصهر به الجلود. أي جلودهم، فالألف واللام قامتا مقام الإضافة، وقال بعض أهل العلم والجلود مرفوع بفعل محذوف معطوف على تصهر، وتقديره وتحرق به الجلود، ونظير ذلك في تقدير العامل المحذوف الرافع الباقي معموله مرفوعاً بعد الواو قول لبيد في معلقته