الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ } * { يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّآ أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَـٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيدٌ }

أمر جل وعلا في أول هذه السورة الكريمة الناس بتقواه جل وعلا، بامتثال أمره، واجتناب نهيه، وبين لهم أن زلزلة الساعة شيء عظيم، تذهل بسببه المراضع عن أولادها، وتضع بسببه الحوامل أحمالها، من شدة الهول والفزع، وأن الناس يرون فيه كأنهم سكارى من شدة الخوف، وما هم بسكارى من شرب الخمر، ولكن عذابه شديد. وما ذكره تعالى هنا من الأمر بالتقوى، وذكره في مواضع كثيرة جداً من كتابه، كقوله في أول سورة النساءيٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ } النساء 1 إلى قولهوَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ وَٱلأَرْحَامَ } النساء 1 الآية والآيات بمثل ذلك كثيرة جداً. وما بينه هنا من شدة أهوال الساعة، وعظم زلزلتها، بينه في غير هذا الموضع كقوله تعالىإِذَا زُلْزِلَتِ ٱلأَرْضُ زِلْزَالَهَا وَأَخْرَجَتِ ٱلأَرْضُ أَثْقَالَهَا وَقَالَ ٱلإِنسَانُ مَا لَهَا يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا } الزلزلة 1-4 وقوله تعالىوَحُمِلَتِ ٱلأَرْضُ وَٱلْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً } الحاقة 14 وقوله تعالىيَوْمَ تَرْجُفُ ٱلرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا ٱلرَّادِفَةُ قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ } النازعات 6-9 وقوله تعالىثَقُلَتْ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً } الأعراف 187 إلى غير ذلك من الآيات الدالة على عظم هول الساعة. وقوله في هذه الآية الكريمة { ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ } قد أوضحنا فيما مضى معنى التقوى بشواهده العربية، فأغنى ذلك عن إعادته هنا. والزلزلة شدة التحريك والإزعاج، ومضاعفة زليل الشيء عن مقره ومركزه أي تكرير انحرافه وتزحزحه عن موضعه، لأن الأرض إذا حركت حركة شديدة تزلزل كل شيء عليها زلزلة قوية. وقوله { يَوْمَ تَرَوْنَهَا } منصوب بتذهل، والضمير عائد إلى الزلزلة. والرؤية بصرية، لأنهم يرون زلزلة الأشياء بأبصارهم، وهذا هو الظاهر، وقيل إنها من رأى العلمية. وقوله { تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ } أي بسبب تلك الزلزلة، والذهول الذهاب عن الأمر مع دهشة، ومنه قول عبدالله بن رواحة رضي الله عنه
ضرباً يزيل الهام عن مقيله ويذهل الخليلَ عن خليله   
وقال قطرب ذهل عن الأمر اشتغل عنه. وقيل ذهل عن الأمر غفل عنه لطرو شاغل، من هم أو مرض، أو نحو ذلك، والمعنى واحد، وبقية الأقوال راجعة إلى ما ذكرنا. وقوله { كُلُّ مُرْضِعَةٍ } أي كل أنثى ترضع ولدها، ووجه قوله مرضعة، ولم يقل مرضع هو ما تقرر في علم العربية، من أن الأوصاف المختصة بالإناث إن أريد بها الفعل لحقها التاء، وإن أريد بها النسب جردت من التاء، فإن قلت هي مرضع تريد أنها ذات رضاع، جردته من التاء كقول امرئ القيس
فمثلكِ حُبلى قد طرقت ومرضعا فألهيتها عن ذي تمائِمَ مغيل   
وإن قلت هي مرضعة بمعنى، أنها تفعل الرضاع أي تلقم الولد الثدي، قلت هي مرضعة بالتاء ومنه قوله
كمرضعة أولاد أُخرى وضيعت بني بطنها هذا الضلال عن القصد   

السابقالتالي
2 3 4 5 6