الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ يَدْعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُ وَمَا لاَ يَنفَعُهُ ذٰلِكَ هُوَ ٱلضَّلاَلُ ٱلْبَعِيدُ }

ضمير الفاعل في قوله { يَدْعُو مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُ } راجع إلى الكافر المشار إليه في قولهوَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ ٱنْقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ ٱلدُّنْيَا وَٱلآُخِرَةَ ذٰلِكَ هُوَ ٱلْخُسْرَانُ ٱلْمُبِينُ } الحج 11 أي يدعو ذلك الكافر المذكور من دون الله، ما لا يضره، إن ترك عبادته، وكفر به، وما لا ينفعه، إن عبده وزعم أنه يشفع له. وما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة من أن الأوثان، لا تضر من كفر بها، ولا تنفع من عبدها بينه في غير هذا الموضع كقوله تعالىوَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ ٱللَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } يونس 18 وقوله تعالى عن نبيه إبراهيمقَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ قَالُواْ بَلْ وَجَدْنَآ آبَآءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ } الشعراء 72-74. إذ المعنى أنهم اعترفوا بأنهم لا يسمعون، ولا ينفعون ولا يضرون، ولكنهم عبدوهم تقليداً لآبائهم. والآيات بمثل ذلك كثيرة. تنبيه فإن قيل ما وجه الجمع بين نفيه تعالى النفع والضر معاً، عن ذلك المعبود من دون الله في قوله { مَا لاَ يَضُرُّهُ وَمَا لاَ يَنفَعُهُ } مع إثباتهما في قولهيَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ } الحج 13. لأن صيغة التفضيل في قوله أقرب دلت على أن هناك نفعاً، وضراً، ولكن الضر أقرب من النفع. فالجواب أن للعلماء أجوبة عن ذلك. منها ما ذكره الزمخشري قال فإن قلت الضر والنفع منفيان عن الأصنام، مثبتان لها في الآيتين، وهذا تناقض. قلت إذا حصل المعنى ذهب هذا الوهم. وذلك أن الله تعالى سفَّه الكافر، بأنه يعبد جماداً لا يملك ضراً، ولا نفعاً، وهو يعتقد فيه بجهله وضلاله، أنه يستنفع به، حين يستشفع به، ثم قال يوم القيامة يقول هذا الكافر بدعاء وصراخ حين يرى استضراره بالأصنام ودخوله النار بعبادتها، ولا يرى أثر الشفاعة التي ادعاها لهايَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ لَبِئْسَ ٱلْمَوْلَىٰ وَلَبِئْسَ ٱلْعَشِيرُ } الحج 13 وكرر يدعو كأنه قال يدعو يدعو من دون الله ما لا يضره، وما لا ينفعه. ثم قال لمن ضره بكونه معبوداً أقرب من نفعه، بكونه شفيعاً لبئس المولى، ولبئس العشير ا هـ منه. ولا يخفى أن جواب الزمخشري هذا غير مقنع، لأن المعبود من دون الله، ليس فيه نفع ألبتة، حتى يقال فيه إن ضره أقرب من نفعه وقد بين أبو حيان عدم اتجاه جوابه المذكور. ومنها ما أجاب به أبو حيان في البحر. وحاصله أن الآية الأولى في الذين يعبدون الأصنام، فالأصنام. لا تنفع من عبدها، ولا تضر من كفر بها ولذا قال فيها ما لا يضره وما لا ينفعه والقرينة على أن المراد بذلك الأصنام، هي التعبير بلفظة " ما " في قوله { مَا لاَ يَضُرُّهُ وَمَا لاَ يَنفَعُهُ } لأن لفظة " ما " تأتي لما لا يعقل، والأصنام لا تعقل.

السابقالتالي
2