الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَذَا ٱلنُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي ٱلظُّلُمَاتِ أَن لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ } * { فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ ٱلْغَمِّ وَكَذٰلِكَ نُنجِـي ٱلْمُؤْمِنِينَ }

أي واذكر ذا النون. والنون الحوت. " وذا " بمعنى صاحب. فقوله { ذَا ٱلنُّونِ } معناه صاحب الحوت. كما صرح الله بذلك في " القلم " في قولهوَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ ٱلْحُوتِ } القلم 48 الآية. وإنما أضافه إلى الحوت لأنه التقمه كما قال تعالىفَٱلْتَقَمَهُ ٱلْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ } الصافات 142. وقوله { فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ } فيه وجهان من التفسير لا يكذب أحدهما الآخر الأول ـ أن المعنى { لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ } أي لن نضيق عليه في بطن الحوت. ومن إطلاق " قدر " بمعنى " ضيق " في القرآن قوله تعالىٱللَّهُ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَنْ يَشَآءُ وَيَقَدِرُ } الرعد 26 أي ويضيق الرزق على من يشاء، وقوله تعالىلِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّآ آتَاهُ ٱللَّهُ } الطلاق 7 الآية. فقوله { وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ } أي ومن ضيق عليه رزقه. الوجه الثاني ـ أن معنى { أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ } لن نقضي عليه ذلك. وعليه فهو من القدر والقضاء. " وقدر " بالتخفيف تأتي بمعنى " قدر " المضعفة ومنه قوله تعالىفَالْتَقَى ٱلمَآءُ عَلَىٰ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ } القمر 12 أي قدره الله. ومه قول الشاعر وأنشده ثعلب شاهداً لذلك
فليست عشيات الحمى برواجع لنا أبداً ما أورق السلم النضر ولا عائذ ذاك الزمان الذي مضى تباركت ما تقدر يقع ولك الشكر   
والعرب تقول قدر الله لك الخير يقدره قدراً، وكضرب يضرب، ونصر ينصر، بمعنى قدره لك تقديراً. ومنه على أصح القولين " ليلة القدر " لأن الله يقدر فيها الأشياء. كما قال تعالىفِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ } الدخان 4 والقدر بالفتح، والقدر بالسكون ما يقدره الله من القضاء. ومنه قول هدبةبن الخشرم
ألا يا لقومي للنوائب والقدر وللأمر يأتي المرء من حيث لا يدري   
أما قول من قال إن { أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ } من القدرة ـ فهو قول باطل بلا شك. لأن نبي الله يونس لا يشك في قدرة الله على كل شيء، كما لا يخفى. وقوله في هذه الآية الكريمة { مُغَاضِباً } أي في حال كونه مغاضباً لقومه. ومعنى المفاعلة فيه أنه أغضبهم بمفارقته وتخوفهم حلول العذاب بهم، وأغضبوه حين دعاهم إلى الله مدة فلم يجيبوه، فأوعدهم بالعذاب. ثم خرج من بينهم على عادة الأنبياء عند نزول العذاب قبل أن يأذن الله له في الخروج. قاله أبو حيان في البحر. وقال أيضاً وقيل معنى " مُغَاضِباً " غضبان، وهو من المفاعلة التي لا تقتضي اشتراكاً. نحو عاقبت اللص، وسافرت ا هـ. واعلم أن قول من قال { مُغَاضِباً } أي مغاضباً لربه كما روي عن ابن مسعود، وبه قال الحسن والشعبي وسعيد بن جبير، واختاره الطبري والقتبي، واستحسنه المهدوي ـ يجب حمله على معنى القول الأول.

السابقالتالي
2 3 4 5