الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ } * { فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ }

الظاهر أن قوله { وَأَيُّوبَ } منصوب باذكر مقدراً، ويدل على ذلك قوله تعالى في " ص "وَٱذْكُرْ عَبْدَنَآ أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ } ص 41. وقد أمر جل وعلا في هاتين الآيتين الكريمتين نبيه صلى الله عليه وسلم أن يذكر أيوب حين نادى ربه قائلاً { نِّي مَسَّنِيَ ٱلضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ } وأن ربه استجاب له فكشف عنه جميع ما به من الضر، وأنه آتاه أهله، وآتاه مثلهم معهم رحمة منه جل وعلا به، وتذكيراً للعابدين أي الذين يعبدون الله لأنهم هم المنتفعون بالذكرى. وهذا المعنى الذي ذكره هنا ذكره أيضاً في سورة " ص " في قولهوَٱذْكُرْ عَبْدَنَآ أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ } ص 41 إلى قولهلأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } ص 43 والضر الذي مس أيوب، ونادى ربه ليكشفه عنه كان بلاء أصابه في بدنه وأهله وماله. ولما أراد الله إذهاب الضر عنه أمره أن يركض برجله ففعل، فنبعت له عين ماء فاغتسل منها فزال كل ما بظاهر بدنه من الضر، وشرب منها فزال كل ما بباطنه. كما أشار تعالى إلى ذلك في قولهٱرْكُضْ بِرِجْلِكَ هَـٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ } ص 42. وما ذكره في " الأنبياء " من أنه آتاه أهله ومثلهم رحمة منه وذكرى لمن يعبده ـ بينه في " ص " في قولهٱرْكُضْ بِرِجْلِكَ هَـٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ } ص 43، وقوله في " الأنبياء " ، { وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ } مع قوله في " ص " ، { وَذِكْرَىٰ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } فيه الدلالة الواضحة على أن أصحاب العقول السليمة من شوائب الاختلال، هم الذين يعبدون الله وحده ويطيعونه. وهذا يؤيد قول من قال من أهل العلم، إن من أوصى بشيء من ماله لأعقل الناس ـ أن تلك الوصية تصرف لأتقى الناس وأشدهم طاعة لله تعال. لأنهم هم أولو الألباب. أي العقول الصحيحة السالمة من الاختلال. تنبيه في هذه الآيات المذكورة سؤال معروف، وهو أن يقال إن قول أيوب المذكور في " الأنبياء " في قوله، { إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلضُّرُّ } الأنبياء 83 وفي " ص " في قوله،إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ } ص 41 يدل على أنه ضجر من المرض فشكا منه. مع أن قوله تعالى عنه،إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً } ص 44 يدل على كمال صبره؟ والجواب ـ أن ما صدر من أيوب دعاء وإظهار فقر وحاجة إلى ربه، لا شكوى ولا جزع. قال أبو عبدالله القرطبي رحمه الله في تفسير هذه الآية الكريمة، ولم يكن قوله { مَسَّنِيَ ٱلضُّرُّ } الأنبياء 83 جزعاً. لأن الله تعالى، قالإِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً } ص 44 بل كان ذلك دعاء منه.

السابقالتالي
2 3