الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلُوطاً آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِي كَانَت تَّعْمَلُ ٱلْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ } * { وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَآ إِنَّهُ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ }

قوله { وَلُوطاً } منصوب بفعل مضمر وجوباً يفسر { آتَيْنَاهُ } كما قال في الخلاصة
فالسابق انصبه بفعل أضمرا حتماً موافق لما قد أظهرا   
قال القرطبي في تفسير هذه الآية الحكم النبوة. والعلم المعرفة بأمر الدين، وما يقع به الحكم بين الخصوم. وقيل علماً فهماً. وقال الزمخشري حكماً حكمة، وهو ما يجب فعله، أو فصلاً بين الخصوم، وقيل هو النبوة. قال مقيده عفا الله عنه أصل الحكم في اللغة المنع كما هو معروف. فمعنى الآيات أن الله آتاه من النبوة والعلم ما يمنع أقواله وأفعاله من أن يعتريها الخلل. والقرية التي كانت تعمل الخبائث هي سدوم وأعمالها، والخبائث التي كانت تعملها جاءت موضحة في آيات من كتاب الله منها اللواط، وأنهم هم أول من فعله من الناس، كما قال تعالىأَتَأْتُونَ ٱلْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن ٱلْعَالَمِينَ } الأعراف 80، وقالأَتَأْتُونَ ٱلذُّكْرَانَ مِنَ ٱلْعَالَمِينَ وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ } الشعراء 165-166. ومن الخبائث المذكورة إتيانهم المنكر في ناديهم، وقطعهم الطريق، كما قال تعالىأَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ ٱلسَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ ٱلْمُنْكَرَ } العنكبوت 29 الآية. ومن أعظم خبائثهم تكذيب نبي الله لوط وتهديدهم له بالإخراج من الوطن. كما قال تعالى عنهمقَالُواْ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يٰلُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُخْرَجِينَ } الشعراء 167، وقال تعالىفَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ أَخْرِجُوۤاْ آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ } النمل 56 إلى غير ذلك من الآيات. وقد بين الله في مواضع متعددة من كتابه أنه أهلكهم فقلب بهم بلدهم، وأمطر عليهم حجارة من سجيل، كما قال تعالىفَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ } الحجر 74 والآيات بنحو ذلك كثيرة. والخبائث جمع خبيثة، وهي الفعلة السيئة كالكفر واللواط وما جرى مجرى ذلك. وقوله { قَوْمَ سَوْءٍ } أي أصحاب عمل سيئ، ولهم عند الله جزاء يسوءهم وقوله { فَاسِقِينَ } أي خارجين عن طاعة الله. وقوله { وَأَدْخَلْنَاهُ } يعني لوطاً { فِي رَحْمَتِنَآ } شامل لنجاته من عذابهم الذي أصابهم، وشامل لإدخاله إياه في رحمته التي هي الجنة، كما في الحديث الصحيح " تحاجَّت النَّار والجنة " الحديث. وفيه " فقال للجنة أنت رَحْمَتي أرحم بها من أَشَاء من عبَادي ".