الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْنَا يٰنَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَٰماً عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ } * { وَأَرَادُواْ بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ ٱلأَخْسَرِينَ }

في الكلام حذف دل المقام عليه، وتقديره قالوا حرقوه فرموه في النار، فلما فعلوا ذلك { قُلْنَا يٰنَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاَمَا } وقد بين في " الصافات " أنهم لما أرادوا أن يلقوه في النار بنوا له بنياناً ليلقوه فيه. وفي القصة أنهم ألقوه من ذلك البنيان العالي بالمنجنيق بإشارة رجل من أعراب فارس يعنون الأكراد، وأن الله خسف به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة، قال تعالىقَالُواْ ٱبْنُواْ لَهُ بُنْيَاناً فَأَلْقُوهُ فِي ٱلْجَحِيمِ } الصافات 97. والمفسرون يذكرون من شدة هذه النار وارتفاع لهبها، وكثرة حطبها شيئاً عظيماً هائلاً. وذكروا عن نبي الله إبراهيم أنهم لما كتفوه مجرداً ورموه إلى النار، قال له جبريل هل لك حاجة؟ قال أما إليك فلا، وأما الله فنعم! قال لم لا تسأله؟ قال علمه بحالي كاف عن سؤالي. وما ذكر الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة من أنه أمر النار بأمره الكوني القدري أن تكون برداً وسلاماً على إبراهيم ـ يدل على أنه أنجاه من تلك النار. لأن قوله تعالى { كُونِي بَرْداً } يدل على سلامته من حرِّها. وقوله { وَسَلاَمَا }. يدل على سلامته من شرِّ بردها الذي انقلبت الحرارة إليه. وإنجاؤه إياه منها الذي دل عليه أمره الكوني القدري هنا جاء مصرحاً به في " العنكبوت " في قوله تعالىفَأَنْجَاهُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلنَّارِ } العنكبوت 24 وأشار إلى ذلك هنا بقولهوَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً } الأنبياء 71 الآية. وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة { وَأَرَادُواْ بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ ٱلأَخْسَرِينَ } الأنبياء 70 يوضحه ما قبله. فالكيد الذي أرادوه به إحراقه بالنار نصراً منهم لآلهتهم في زعمهم، وجعله تعالى إياهم الأخسرين. أي الذين هم أكثر خسراناً لبطلان كيدهم وسلامته من نارهم. وقد أشار تعالى إلى ذلك أيضاً في سورة " الصافات " في قولهفَأَرَادُواْ بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ ٱلأَسْفَلِينَ } الصافات 98 وكونهم الأسفلين واضح لعلوه عليهم وسلامته من شرهم. وكونهم الأخسرين لأنهم خسروا الدنيا والآخرة، وذلك هو الخسران المبين. وفي القصة أن الله سلط عليهم خلقاً من أضعف خلقه فأهلكهم وهو البعوض. وفيها أيضاً أن كل الدواب تطفئ عن إبراهيم النار، إلا الوزغ فإنه ينفخ النار عليه. وقد قدمنا الأحاديث الواردة بالأمر بقتل الأوزاغ في سورة " الأنعام " وعن أبي العالية لو لم يقل الله { وَسَلاَمَا } لكان بردها أشد عليه من حرها. ولو لم يقل على " إِبْراهِيمَ " لكان بردها باقياً إلى الأبد. وعن علي وابن عباس رضي الله عنهم لو لم يقل " وسلاماً " لمات إبراهيم من بردها. وعن السدي لم تبق في ذلك اليوم نار إلا طفئت. وعن كعب وقتادة لم تحرق النار من إبراهيم إلا وثاقه.

السابقالتالي
2