الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا رَآكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهَـٰذَا ٱلَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ هُمْ كَافِرُونَ }

ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن الكفار إذا رأوا النَّبي صلى الله عليه وسلم ما يتخذونه إلا هزواً، أي مُستهزأً به مستخفاً به. والهزؤ السخرية، فهو مصدر وصف به. ويقولون أهذا الذي يذكر آلهتكم أي يعيبها وينفي أنها تشفع لكم وتقربكم إلى الله زلفى، ويقول إنها لا تنفع من عبدها، ولا تضر من لم يعبدها، وهم مع هذا كله كافرون بذكر الرحم. فالخطاب في قوله { وَإِذَا رَآكَ } للنبي صلى الله عليه وسلم. و " إن " في قوله { إِن يَتَّخِذُونَكَ } نافية. والاستفهام في قوله { أَهَـٰذَا ٱلَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ } قال فيه أبو حيان في البحر إنه للإنكار والتعجيب. والذي يظهر لي أنهم يريدون بالاستفهام المذكور التحقير بالنَّبي صلى الله عليه وسلم، كما تدلّ عليه قرينة قوله { إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً }. وقد تقرر في فن المعاني أن من الأغراض التي تؤدي بالاستفهام التحقير. وقال القرطبي في تفسير هذه الآية إن جواب " إِذَا " هو القول المحذوف، وتقديره وإذا رآك الذين كَفَروا يقولون أهذا الذي يذكر آلهتكم. وقال إن جملة { إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً } جملة معترضة بين إذا وجوابها. واختار أبو حيان في البحر أن جواب " إِذَا " هو جملة { إِن يَتَّخِذُونَكَ } وقال إن جواب إذا بجملة مصدرة بـ " إن " أو ما النافيتين لا يحتاج إلى الاقتران بالفاء. وقوله { يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ } أي يعيبها. ومن إطلاق الذكر بمعنى العَيْب قوله تعالىقَالُواْ سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ } الأنبياء 60 أي يعيبهم. وقول عنترة
لا تَذْكُرِي مُهْري وما أَطْعَمْتُه فيكون جلدُكِ مثلَ جلدِ الأَجْرَبِ   
أي لا تعيبي مهري، قاله القرطبي. وقال الزمخشري في تفسير هذه الآية الكريمة الذِّكر يكون بخير وبخلافِه. فإذا دلت الحال على أحدهما أُطلق ولم يقيد، كقولك للرجل سمعت فلاناً يذكرك، فإن كان الذاكر صديقاً فهو ثناء. وإن كان عدواً فَذم، ومنه قوله تعالىسَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ } الأنبياء 60، وقوله { أَهَـٰذَا ٱلَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ } الأنبياء36 انتهى محل الغرض منه. والجملة في قوله { وَهُمْ بِذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ هُمْ كَافِرُونَ } حالية. وقال بعض أهل العلم معنى كفرهم بذكر الرحمن هو الموضح في قوله تعالىوَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱسْجُدُواْ لِلرَّحْمَـٰنِ قَالُواْ وَمَا ٱلرَّحْمَـٰنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُوراً } الفرقان 60، وقولهم ما نعرف الرحمن إلا رحمان اليمامة، يعنون مسيلمة الكذاب. وقد بين ابن جرير الطبري وغيره أن إنكارهم لمعرفتهم الرحمن تجاهل منهم ومعاندة مع أنهم يعرفون أن الرحمن من أسماء الله تعالى. قال وقال بعض شعراء الجاهلية الجهلاء
ألا ضربت تلك الفتاة هجينها ألا قطع الرحمن ربي يمينها   
وقال سلامة بن جندل الطهوي
عجلتم علينا عجلتينا عليكم وما يشأ الرحمن يعقد ويطلق   

السابقالتالي
2