الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ ٱلْخُلْدَ أَفَإِنْ مِّتَّ فَهُمُ ٱلْخَالِدُونَ } * { كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ }

قوله تعالى { وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ ٱلْخُلْدَ أَفَإِنْ مِّتَّ فَهُمُ ٱلْخَالِدُونَ كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ }. قال بعض أهل العلم كان المشركون ينكرون نبوته صلى الله عليه وسلم ويقولون هو شاعر يتربَّص به ريب المنون، ولعله يموت كما مات شاعر بني فلان. فقال الله تعالى قد مات الأنبياء من قبلك، وتولى الله دنيه بالنصر والحياطة، فهكذا نحفظ دينك وشرعك. وقال بعض أهل العلم " لما نعى جبريل إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم نفسه قال " فَمَنْ لأُمتي " " ؟ فنزلت { وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ ٱلْخُلْدَ } والأول أظهر. لأن السورة مكية ومعنى الآية أن الله لم يجعل لبشر قبل نبيه الخلد. أي دوام البقاء في الدنيا، بل كلهم يموت. وقوله { أَفَإِنْ مِّتَّ فَهُمُ ٱلْخَالِدُونَ } استفهام، إنكاري معناه النفي. والمعنى أنك إن مت لهم فهم لن يخلدوا بعدك، بل سيموتون. ولذلك أتبعه بقوله { كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ }. وما أشار إليه جل وعلا في هذه الآية من أنه صلى الله عليه وسلم سيموت، وأنهم سيموتون، وأن الموت ستذوقه كل نفس ـ أوضحه في غير هذا الموضع. كقوله تعالىإِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيِّتُونَ } الزمر 30، كقولهكُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدْخِلَ ٱلْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ } آل عمران 185، وقوله في سورة " العنكبوت "يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَٱعْبُدُونِ كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } العنكبوت 56-57، وقوله تعالى في سورة " النساء "أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ ٱلْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ } النساء 78 إلى غير ذلك من الآيات. وقد قدمنا في سورة " الكهف " استدلال بعض أهل العلم بهذه الآية الكريمة على موت الخضر عليه السلام. وقال بعض أهل العلم في قوله { فَهُمُ ٱلْخَالِدُونَ } هو استفهام حذفت أداته. أي أفهم الخالدون. وقد تقرر في علم النحو أن حذف همزة الاستفهام إذا دل المقام عليها جائز، وهو قياسي عند الأخفش مع " أم " ودونها ذكر الجواب أم لا فمن أمثلته دون " أم " ودون ذكر الجواب قول الكميت
طربت وما شوقاً إلى البيض أطرب ولا لعباً مني وذو الشيب يلعب   
يعني أو ذو الشيب يلعب. وقول أبي خراش الهذلي واسمه خويلد
وَفَوني وقالوا يا خُوَيْلِدُ لم تُرَعْ فقلتُ وأنكرتُ الوجوهَ همُ همُ   
يعني أهم هم على التحقيق. ومن أمثلته دون " أم " مع ذكر الجواب قول عمر بن أبي ربيعة المخزومي
ثم قالوا تحبها قلت بهراً عدد النجم والحصى والتراب   
يعني أتحبها على الصحيح. وهو مع " أم " كثير جداً، وأنشد له سيبويه قول الأسود يعفر التميمي

السابقالتالي
2 3