الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوَلَمْ يَرَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَنَّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ }

قوله تعالى { أَوَلَمْ يَرَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَنَّ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا }. قرأ هذا الحرف عامة السبعة ما عدا ابن كثير " أو لم ير " بواو بعد الهمزة وقرأه ابن كثير " ألم ير الذين كفروا " بدون واو، وكذلك هو في مصحف مكة. والاستفهام لتوبيخ الكفار وتقريعهم، حيث يشاهدون غرائب صنع الله وعجائبه، ومع هذا يعبدون من دونه ما لا ينفع من عَبَده، ولا يضر من عَصَاه، ولا يقدر على شيء. وقوله { كَانَتَا } التثنية باعتبار النوعين اللذَين هما نوع السماء، ونوع الأرض. كقوله تعالىإِنَّ ٱللَّهَ يُمْسِكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ أَن تَزُولاَ } فاطر 41 ونظيره قول عمر بن شيبم
ألم يحزنك أن جبال قيس وتغلب قد تباينتا انقطاعا   
والرتق مصدر رَتَقه رتْقاً إذا سده. ومنه الرتقاء. وهي التي انسد فرجها، ولكن المصدر وصف به هنا ولذا أفرده ولم يقل كانتا رتقين. والفتق الفصل بين الشيئين المتَّصلين. فهو ضد الرتق. ومنه قول الشاعر
يهوون عليهم إذا يغضبو ن سخط العداة وإرغامها ورتق الفتوق وفتق الرتو ق ونقض الأمور وإبرامها   
واعلم أن العلماء اختلفوا في المراد بالرتق والفتق في هذه الآية على خمسة أقوال، بعضها في غاية السقوط، وواحد منها تدل له قرائن من القرآن العظيم الأول ـ أن معنى { كَانَتَا رَتْقاً } أي كانت السموات والأرض متلاصقة بعضها مع بعض، ففتقها الله وفصل بين السموات والأرض، فرفع السماء إلى مكانها، وأقر الأرض في مكانها، وفصل بينهما بالهواء الذي بينهما كما ترى. القول الثاني ـ أن السموات السبع كانت رتقاً. أي متلاصقة بعضها ببعض، ففتقها الله وجعلها سبع سموات، كل اثنتين منها بينهما فصل، والأرضون كذلك كانت رتقاً ففتقها، وجعلها سبعاً بعضها منفصل عن بعض. القول الثالث ـ أن معنى { كَانَتَا رَتْقاً } أن السماء كانت لا ينزل منها مطر، والأرض كانت لا ينبت فيها نبات، ففتق الله السماء بالمطر، والأرض بالنبات. الرابع ـ أنها { كَانَتَا رَتْقاً } أي في ظلمة لا يرى من شدتها شيء ففتقهما الله بالنور. وهذا القول في الحقيقة يرجع إلى القول الأول، والثاني. الخامس ـ وهو أبعدها لظهور سقوطه. أن الرتق يراد به العدم. والفتق يراد به الإيجاد. أي كانتا عدماً فأوجدناهما. وهذا القول كما ترى. فإذا عرفت أقوال أهل العلم في هذه الآية، فاعلم أن القول الثالث منها وهو كونهما كانتا رتقاً بمعنى أن السماء لا ينزل منها مطر، والأرض لا تنبت شيئاً ففتق الله السماء بالمطر والأرض بالنبات ـ قد دلت عليه قرائن من كتاب الله تعالى. الأولى ـ أن قوله تعالى { أَوَلَمْ يَرَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ } يدل على أنهم رأوا ذلك.

السابقالتالي
2 3