الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي ٱلزَّبُورِ مِن بَعْدِ ٱلذِّكْرِ أَنَّ ٱلأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ ٱلصَّالِحُونَ }

أظهر الأقوال عندي في هذه الآية الكريمة أن الزبور الذي هو الكتاب يراد به جنس الكتاب فيشمل الكتب المنزلة، كالتوراة والإنجيل، وزبور داود، وغير ذلك. وأن المراد بالذكر أم الكتاب، وعليه فالمعنى ولقد كتبنا في الكتب المنزلة على الأنبياء أن الأرض يرثها عبادي الصالحون بعد أن كتبنا ذلك في أم الكتاب. وهذا المعنى واضح لا إشكال فيه. وقيل الزبور في الآية زبور داود، والذكر التوراة. وقيل غير ذلك. وأظهرها هو ما ذكرنا واختاره غير واحد. واعلم أن قد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك أن الآية قد يكون فيها قولان للعلماء، وكلاهما حق ويشهد له قرآن فتذكر الجميع. لأنه لكه حق داخل في الآية. ومن ذلك هذه الآية الكريمة، لأن المراد بالأرض في قوله هنا { أَنَّ ٱلأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ ٱلصَّالِحُونَ } فيه للعلماء وجهان الأول ـ أنها أرض الجنة يورثها الله يوم القيامة عباده الصالحين. وهذا القول يدل له قوله تعالىوَقَـالُواْ ٱلْحَـمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا ٱلأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ ٱلْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَآءُ فَنِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَامِلِينَ } الزمر 74 وقد قدمنا معنى إيراثهم الجنة مستوفى في سورة " مريم ". الثاني ـ أن المراد بالأرض أرض العدو يورثها الله المؤمنين في الدنيا ويدل لهذا قوله تعالىوَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَّمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً } الأحزاب 27، وقولهوَأَوْرَثْنَا ٱلْقَوْمَ ٱلَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ ٱلأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا } الأعراف 137 الآية، وقوله تعالىقَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ ٱسْتَعِينُوا بِٱللَّهِ وَٱصْبِرُوۤاْ إِنَّ ٱلأَرْضَ للَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَٱلْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } الأعراف 128، وقوله تعالىوَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي ٱلأَرْضِ كَمَا ٱسْتَخْلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } النور 55 الآية، وقوله تعالىوَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّـكُمْ مِّنْ أَرْضِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ ٱلظَّالِمِينَ وَلَنُسْكِنَنَّـكُمُ ٱلأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ } إبراهيم 13-14 إلى غير ذلك من الآيات. وقرأ هذا الحرف عامة القراء غير حمزة { فِي ٱلزَّبُورِ } بفتح الزاي ومعناه الكتاب. وقرأ حمزة وحده فِي الزُّبُورِ بضم الزاي. قال القرطبي وعلى قراءة حمزة فهو جمع زبر. والظاهر أنه يريد الزبر بالكسر بمعنى المزبور أي المكتوب. وعليه فمعنى قراءة حمزة ولقد كتبنا في الكتب وهي تؤيد أن المراد بالزبور على قراءة الفتح جنس الكتب لا خصوص زبور وداود كما بينا. وقرأ حمزة " يَرِثُها عِبَادِيْ " بإسكان الياء، والباقون بفتحها.