الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ يٰقَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ ٱلرَّحْمَـٰنُ فَٱتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوۤاْ أَمْرِي } * { قَالُواْ لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّىٰ يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَىٰ }

بين جل وعلا في هاتين الآيتين الكريمتين أن بني إسرائيل لما فتنهم السامري وأضلهم بعبادة العجل، نصحهم نبي الله هارون عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، وبين لهم عبادتهم العجل فتنة فتنوا بها. أي كفر وضلال ارتكبوه بذلك، وبين لهم أن ربهم الرحمن خالق كل شيء جل وعلا، وأن عجلاً مصطنعاً من حلي لا يعبده إلا مفتون ضال كافر. وأمرهم باتباعه في توحيد الله تعالى، الوفاء بموعد موسى عليهما وعلى نبينا الصلاة والسلام وأن يطيعوه في ذلك. فصارحوه بالتمرد والعصيان والديمومة على الكفر حتى يرجع موسى. وهذا يدل على أنه بلغ معهم غاية جهده وطاقته، وأنهم استضعفوه وتمردوا عليه ولم يطيعوه. وقد أوضح هذا المعنى في غير هذا الموضع، كقوله في " الأعراف "قَالَ ٱبْنَ أُمَّ إِنَّ ٱلْقَوْمَ ٱسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ ٱلأَعْدَآءَ وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } الأعراف 150. فقوله عنهم في خطابهم له { لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ } يدل على استضعافهم له وتمردهم عليه المصرح به في " الأعراف " كما بينا. وقال أبو عبد الله القرطبي رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآيات الكريمات ما نصه. وسئل الإمام أبو بكر الطرطوشي رحمه الله ما يقول سيدنا الفقيه في مذهب الصوفية؟ واعلم حرس الله مدته أنه اجتمع جماعة من رجال فيكثرون من ذكر الله تعالى وذكر محمد صلى الله عليه وسلم، ثم إنهم يوقعون بالقضيب على شيء من الأديم، ويقوم بعضهم يرقص ويتواجد حتى يقع مغشياً عليه، ويحضرون شيئاً يأكلونه. هل الحضور معهم جائز أم لا؟ أفتونا مأجورين. وهذا القول الذي يذكرونه.
يا شيخ كف عن الذنوب قبل التفرق والزلل واعمل لنفسك صالحاً ما دام ينفعك العمل أما الشباب فقد مضى ومشيب رأسك قد نزل   
وفي مثل هذا ونحوه الجواب يرحمك الله مذهب الصوفية بطالة وجهالة وضلالة، وما الإسلام إلا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وأما الرقص والتواجد فأول من أحدثه أصحاب السامري لما اتخذ لهم عجلاً جسداً له خوار، قاموا يرقصون حواليه، ويتواجدون، فهو دين الكفار وعباد العجل. وأما القضيب فأول من اتخذه الزنادقة ليشغلوا به المسلمين عن كتاب الله تعالى. وإنما كان يجلس النَّبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه كأنما على رؤوسهم الطير من الوقار. فينبغي للسلطان ونوابه أن يمنعهم من حضور المساجد وغيرها. ولا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يحضر معهم، ولا أن يعينهم على باطلهم. هذا مذهب مالك، وأبي حنيفة، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وغيرهم من أئمة المسلمين وبالله التوفيق ـ انتهى منه بلفظه. قال مقيده ـ عفا الله عنه وغفر له قد قدمنا في سورة " مريم " ما يدل على أن بعض الصوفية على الحق.

السابقالتالي
2