الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ فَرَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَٰنَ أَسِفاً قَالَ يٰقَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ ٱلْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَّوْعِدِي } * { قَالُواْ مَآ أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَـٰكِنَّا حُمِّلْنَآ أَوْزَاراً مِّن زِينَةِ ٱلْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى ٱلسَّامِرِيُّ } * { فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ فَقَالُواْ هَـٰذَآ إِلَـٰهُكُمْ وَإِلَـٰهُ مُوسَىٰ فَنَسِيَ }

قوله تعالى { فَرَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً }. ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن موسى رجع إلى قومه بعد مجيئه للميقات في حال كونه في ذلك الرجوع غضبان أسفاً على قومه من أجل عبادتهم العجل. وقوله { أَسِفاً } أي شديد الغضب. فالأسف هنا شدة الغضب. وعلى هذا فقوله { غَضْبَانَ أَسِفاً } أي غضبان شديد الغضب. ومن إطلاق الأسف على الغضب في القرآن قوله تعالى في " الزخرف "فَلَمَّآ آسَفُونَا ٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ } الزخرف 55 أي فلما أغضبونا بتماديهم في الكفر مع توالي الآيات عليهم انتقمنا منهم. وقال بعض العلماء الأسف هنا الحزن والجزع. أي رجع موسى في حال كونه غضبان حزيناً جزعاً لكفر قومه بعبادتهم للعجل. وقيل أسفاً أي مغتاظاً. وقائل هذا يقول الفرق بين الغضب والغيظ أن الله وصف نفسه بالغضب، ولم يجز وصفه بالغيظ. حكاه الفخر الرازي. ولا يخفى عدم اتجاهه في تفسير هذه الآية، لأنه راجع إلى القول الأول، ولا حاجة في ذلك إلى التفصيل المذكور. وقوله { غَضْبَانَ أَسِفاً } حالان. وقد قدمنا فيما مضى أن التحقيق جواز تعدد الحال من صاحب واحد مع كون العامل واحداً. كما أشار له في الخلاصة بقوله
والحال قد يجيء ذا تعدد لمفرد فاعلم وغير مفرد   
وما ذكره جل وعلا في آية " طه " هذه من كون موسى رجع إلى قومه { غَضْبَانَ أَسِفاً } ذكره في غير هذا الموضع، وذكر أشياء من آثار غضبه المذكور، كقوله في " الأعراف "وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِيۤ } الأعراف 150 الآية. وقد بين تعالى أن من آثار غضب موسى إلقاءه الألواح التي فيها التوراة، وأخذه برأس أخيه يجره إليه، كما قال في " الأعراف "وَأَلْقَى ٱلأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ } الأعراف 150، وقال في " طه " مشيراً لأخذه برأس أخيهقَالَ يٰٱبْنَأُمِّ لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي } طه 94. وهذه الآيات فيها الدلالة على أن الخبر ليس كالعيان، لأن الله لما أخبر موسى بكفر قومه بعبادتهم العجل كما بينه في قولهقَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ ٱلسَّامِرِيُّ } طه 85 وهذا خبر من الله يقين لا شك فيه لم يلق الألواح، ولكنه لما عاين قومه حول العجل يعبدونه أثرت فيه معاينة ذلك أثراً لم يؤثره فيه الخبر اليقين بذلك، فألقى الألواح حتى تكسرت، وأخذ برأس أخيه يجره إليه لما أصابه من شدة الغضب من انتهاك حرمات الله تعالى. وقال ابن كثير في تفسيره في سورة " الأعراف " وقال ابن أبي حاتم حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح، حدثنا عفان، حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

السابقالتالي
2 3 4