الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِّنَ ٱلْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ }

التحقيق أن أتبع واتبع بمعنى واحد. فقوله فـ { أَتْبَعَهُمْ } أي اتبعهم، ونظيره قوله تعالىفَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ } الصافات 10، وقوله فـفََأَتْبَعَهُ ٱلشَّيْطَانُ } الأعراف 175 الآية. والمعنى أن موسى لما أسرى ببني إسرائيل ليلاً أتبعهم فرعون وجنوده { فَغَشِيَهُمْ مِّنَ ٱلْيَمِّ } أي البحر { مَا غَشِيَهُمْ } أي أغرق الله فرعون وجنوده في البحر فهلكوا عن آخرهم. وما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة من أن فرعون أتبع بني إسرائيل هو وجنوده، وأن الله أغرقهم في البحر ـ أوضحه في غير هذا الموضع. وقد بين تعالى أنهم اتبعوهم في أول النهار عند إشراق الشمس، فمن الآيات الدالة على اتباعه لهم قوله تعالى في " الشعراء " { وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِيۤ إِنَّكُم مّتَّبِعُونَ } يعني سيتبعكم فرعون وجنوده. ثم بين كيفية اتباعه لهم فقالفَأَرْسَلَ فِرْعَونُ فِي ٱلْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ إِنَّ هَـٰؤُلاۤءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَآئِظُونَ وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ فَلَمَّا تَرَاءَى ٱلْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ } الشعراء 53-62 وقوله في هذه الآية { فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ } أي أول النهار عند إشراق الشمس. ومن الآيات الدالة على ذلك أيضاً قوله تعالى في " يونس "وَجَاوَزْنَا بِبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱلْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً } يونس 90، وقوله في " الدخان "فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلاً إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ } الدخان 23 إلى غير ذلك من الآيات الدالة على اتباعه لهم. وأما غرقه هو وجميع قومه المشار إليه قوله هنا { فَغَشِيَهُمْ مِّنَ ٱلْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ } فقد أوضحه تعالى في مواضع متعددة من كتابه العزيز. كقوله في " الشعراء "فَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْبَحْرَ فَٱنفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَٱلطَّوْدِ ٱلْعَظِيمِ وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ ٱلآخَرِينَ وَأَنجَيْنَا مُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ ثُمَّ أَغْرَقْنَا ٱلآخَرِينَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ } الشعراء 63-67 الآية، وقوله في " الأعراف "فَٱنْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي ٱلْيَمِّ } الأعراف 136 الآية، وقوله في " الزخرف "فَلَمَّآ آسَفُونَا ٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ } الزخرف 55، وقوله في " البقرة "وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ ٱلْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ } البقرة 50، وقوله في " يونس "حَتَّىٰ إِذَآ أَدْرَكَهُ ٱلْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لاۤ إِلِـٰهَ إِلاَّ ٱلَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنوۤاْ إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } يونس 90، وقوله في " الدخان "وَٱتْرُكِ ٱلْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ } الدخان 24 إلى غير ذلك من الآيات. والتعبير بالاسم المبهم الذي هو الموصول في قوله { فَغَشِيَهُمْ مِّنَ ٱلْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ } يدل على تعظيم الأمر وتفخيم شأنه، ونظيره في القرآن قولهإِذْ يَغْشَىٰ ٱلسِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ } النجم 16، وقولهوَٱلْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَىٰ } النجم 53فَغَشَّاهَا مَا غَشَّىٰ } النجم 54، وقولهفَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَآ أَوْحَىٰ } النجم 10. واليم البحر. والمعنى فأصابهم من البحر ما أصابهم وهو الغرق والهلاك المستأصل.