الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَٱضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي ٱلْبَحْرِ يَبَساً لاَّ تَخَافُ دَرَكاً وَلاَ تَخْشَىٰ }

ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة. أنه أوحى إلى نبيه موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام أن يسري بعباده، وهم بنو إسرائيل فيخرجهم من قبضة فرعون ليلاً، وأن يضرب لهم طريقاً في البحر يبساً، أي يابساً لا ماء فيه ولا بلل، وأنه لا يخاف دركاً من فرعون وراءه أن يناله بسوء. ولا يخشى من البحر أمامه أن يغرق قومه. وقد أوضح هذه القصة في غير هذا الموضع، كقوله في سورة " الشعراء "وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِيۤ إِنَّكُم مّتَّبِعُونَ فَأَرْسَلَ فِرْعَونُ فِي ٱلْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ إِنَّ هَـٰؤُلاۤءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَآئِظُونَ وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ فَلَمَّا تَرَاءَى ٱلْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ فَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْبَحْرَ فَٱنفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَٱلطَّوْدِ ٱلْعَظِيمِ } الشعراء 52-63. فقوله في " الشعراء " { أَنِ ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْبَحْرَ فَٱنفَلَقَ } أي فضربه فانفلق ـ يوضح معنى قوله { فَٱضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي ٱلْبَحْرِ يَبَساً } ، وقولهقَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ } الشعراء 61-62 الآية ـ يوضح معنى قوله { لاَّ تَخَافُ دَرَكاً وَلاَ تَخْشَىٰ } وقد أشار تعالى إلى ذلك في قوله في " الدخان "فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَـٰؤُلاَءِ قَوْمٌ مُّجْرِمُونَ فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلاً إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ وَٱتْرُكِ ٱلْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ } الدخان 22-24 إلى غير ذلك من الآيات. وقد قدمنا طرفاً من ذلك في سورة " البقرة " والقصة معروفة واضحة من القرآن العظيم. وقرأ نافع وابن كثير { أَنْ أَسْرِ } بهمزة وصل وكسر نون { أَنْ } لالتقاء الساكنين والباقون قرؤوا { أَن آسْرِ } بهمزة قطع مفتوحة مع إسكان نون " أَنْ " وقد قدمنا في سورة " هود " أن أسرى وسرى لغتان وبينا شواهد ذلك من العربية. وقرأ حمزة { لاَ تَخَفْ } بسكون الفاء بدون ألف بين الخاء والفاء، وهو مجزوم بشرط محذوف تدل عليه صيغة الطلب، أي أن تضرب لهم طريقاً في البحر يبساً لا تخف. وعلى قراءة الجمهور " لا تخاف " بالرفع، فلا إشكال في قوله { وَلاَ تَخْشَىٰ } إشكال معروف، وهو أنه معطوف على مضارع مجزوم، وذلك يقتضي جزمه، ولو جزم لحذفت الألف من { تَخْشَى } على حد قوله في الخلاصة
واحذف جازما ثلاثهن تقض حكماً لازما   
والألف لم تحذف فوقع الإشكال بسبب ذلك. وأجيب عنه من ثلاثة أوجه الأول ـ أن { وَلاَ تَخْشَىٰ } مستأنف خبر مبتدأ محذوف، تقديره وأنت لا تخشى، أي ومن شأنك أنك آمن لا تخشى. والثاني ـ أن الفعل مجزوم، والألف ليست هي الألف التي في موضع لام الكلمة، ولكنها زيدت للإطلاق من أجل الفاصلة، كقوله

السابقالتالي
2