الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِن تَجْهَرْ بِٱلْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ ٱلسِّرَّ وَأَخْفَى }

خاطب الله نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية الكريمة بأنه إن يجهر بالقول أي يقله جهرة في غير خفاء فإنه جل وعلا يعلم السر وما هو أخفى من السر. وهذا المعنى الذي أشار إليه هنا ذكره في مواضع أخر كقولهوَأَسِرُّواْ قَوْلَكُمْ أَوِ ٱجْهَرُواْ بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } الملك 13 وقولهوَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ } النحل 19، وقوله تعالىوَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ } محمد 26، وقوله تعالىقُلْ أَنزَلَهُ ٱلَّذِي يَعْلَمُ ٱلسِّرَّ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } الفرقان 6 الآية إلى غير ذلك من الآيات. وفي المراد بقوله في هذه الآية { وَأَخْفَى } أوجه معروفة كلها حق ويشهد لها قرآن. قال بعض أهل العلم { يَعْلَمُ ٱلسِّرَّ } أي ما قاله العبد سراً { وَأَخْفَى } أي ويعلم ما هو أخفى من السر وهو ما توسوس به نفسه. كما قال تعالىوَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ } ق 16. وقال بعض أهل العلم الإنسان أنه فاعله كما قال تعالىوَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِّن دُونِ ذٰلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ } المؤمنون 63 وكما قال تعالىهُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلاَ تُزَكُّوۤاْ أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ ٱتَّقَىٰ } النجم 32 فالله يعلم ما يسره الإنسان اليوم. وما سيسره غداً. والعبد لا يعلم ما في غد كما قال زهير في معلقته
وأعلم علم اليوم والأمس وقبله ولكنني عن علم ما في غد عم   
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة { وَأَخْفَى } صيغة تفضيل كما بينا أي ويعلم ما هو أخفى من السر. وقول من قال إن " أخفى " فعل ماض بمعنى أنه يعلم سر الخلق وأخفى عنهم ما يعلمه هو. كقولهيَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً } طه 110 - ظاهر السقوط كما لا يخفى. وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة { وَإِن تَجْهَرْ بِٱلْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ ٱلسِّرَّ وَأَخْفَى } طه 7 أي فلا حاجة لك إلى الجهر بالدعاء ونحوه كما قال تعالىٱدْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً } الأعراف55وَٱذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ ٱلْجَهْرِ مِنَ ٱلْقَوْلِ } الأعراف 205 الآية. ويوضح هذا المعنى الحديث الصحيح. لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سمع أصحابه رفعوا أصواتهم بالتكبير قال صلى الله عليه وسلم " ارْبَعُوا على أنفسكم فإنكم لا تَدْعون أصم ولا غائباً إنما تدعون سميعاً بصيراً. إن الذي تدعون أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته ".