الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوۤاْ إِنَّمَا صَنَعُواْ كَيْدُ سَاحِرٍ وَلاَ يُفْلِحُ ٱلسَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ }

قوله تعالى { وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوۤاْ إِنَّمَا صَنَعُواْ كَيْدُ سَاحِرٍ } قرأ هذا الحرف نافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي وقنبل عن ابن كثير، وهشام عن ابن عامر، وشعبة عن عاصم بتاء مفتوحة مخففة بعدها لام مفتوحة ثم قاف مفتوحة مشددة بعدها فاء ساكنة، وهو مضارع تلقف وأصله تتلقف بتاءين فحذفت إحداهما تخفيفاً، كما أشار له في الخلاصة بقوله
وما بتاءين ابتدى قد يقتصر فيه على تا كتبيّن العبر   
والمضارع مجزوم، لأنه جزاء الطلب في قوله { وَأَلْقِ } وجمهور علماء العربية على أن الجزم في نحو ذلك بشرط مقدر دلت عليه صيغة الطلب، وتقديره هنا إن تلق ما في يمينك ما صنعوا. وقرأه البزي عن ابن كثير كالقراءة التي ذكرنا، إلا أنه يشدد تاء تلقف وصلاً. ووجه تشديد التاء هو إدغام إحدى التاءين في الأخرى، وهو جائز في كل فعل بديء بتاءين كما هنا، وأشار إليه في الخلاصة بقوله
وحيي افكك وادغم دون حذر كذاك نحو تتجلى واستتر   
ومحل الشاهد منه قوله نحو " تتجلى " ومثاله في الماضي قوله
تولى الضجيع إذا ما التذها خصراً عذب المذاق إذا ما اتابع القبل   
أصله تتابع، وقرأ ابن ذكوان عن ابن عامر كالقراءة المذكورة للجمهور إلا أنه يضم الفاء، فالمضارع على قراءته مرفوع، ووجه رفعه أن جملة الفعل حال، أي ألق بما في يمينك في حال كونها متلقفة ما صنعوا. أو مستأنفة، وعليه فهي خبر مبتدأ محذوف، أي فهي تلقف ما صنعوا. وقرأ حفص عن عاصم { تَلْقَفْ } بفتح التاء وسكون اللام وفتح القاف مخففة مع الجزم، مضارع لقفه بالكسر يلقفه بالفتح ومعنى القراءتين واحد، لأن معنى تلقفه ولقفه إذا تناوله بسرعة، والمراد بقوله { تَلْقَفْ مَا صَنَعُوۤاْ } على جميع القراءات أنها تبتلع كل ما زوروه وافتعلوه من الحبال والعصي التي خيلوا للناس أنها تسعى وصنعهم في قوله تعالى { ما صَنَعُوا } واقع في الحقيقة على تخييلهم إلى الناس بسحرهم أن الحبال والعصي تسعى، لا على نفس الحبال والعصي لأنها من صنع الله تعالى. ومن المعلوم أن كل شيء كائناً ما كان بمشيئة تعالى الكونية القدرية. وهذا المعنى الذي ذكره جل وعلا هنا في هذه الآية الكريمة من كونه أمر نبيه موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام أن يلقي ما في يمينه أي يده اليمنى، وهو عصاه فإذا هي تبتلع ما يأفكون من الحبال والعصي التي خيلوا إليه أنها تسعى ـ أوضحه في غير هذا الموضع، كقوله في " الأعراف "وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ فَوَقَعَ ٱلْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ وَٱنقَلَبُواْ صَاغِرِينَ }

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد