قوله تعالى في هذه الآية الكريمة { فَتَوَلَّىٰ فِرْعَوْنُ } قال بعض العلماء معناه فتولى فرعون، انصرف مدبراً من ذلك المقام ليهيئ ما يحتاج إليه مما تواعد عليه هو وموسى. ويدل لهذا الوجه قوله تعالى في سورة " النازعات " في القصة بعينها{ ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَىٰ فَحَشَرَ فَنَادَىٰ } النازعات 22-23 وقوله { فَحَشَرَ } أي جمع السحرة. وقال بعض العلماء معنى قوله { فَتَوَلَّىٰ فِرْعَوْنُ } أي أعرض عن الحق الذي جاء به موسى. ومن معنى هذا الوجه قوله تعالى{ إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَآ أَنَّ ٱلْعَذَابَ عَلَىٰ مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ } طه 48. وقوله تعالى { فَجَمَعَ كَيْدَهُ } هو جمعه للسحرة من أطراف مملكته، ويدل على هذا أمران أحدهما ـ تسمية السحر في القرآن كيداً. كقوله{ إِنَّمَا صَنَعُواْ كَيْدُ سَاحِرٍ } طه 69 الآية، وقوله تعالى عن السحرة{ فَأَجْمِعُواْ كَيْدَكُمْ } طه 64 وكيدهم سحرهم. الثاني ـ أن الذي جمعه فرعون هو السحرة كما دلت عليه آيات من كتاب الله. كقوله تعالى في " الأعراف "{ وَأَرْسِلْ فِي ٱلْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ } الأعراف 111-112. وقوله { حَاشِرِينَ } أي جامعين يجمعون السحرة من أطراف مملكته، وقوله في " الشعراء "{ وَٱبْعَثْ فِي ٱلْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ فَجُمِعَ ٱلسَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ } الشعراء 36-38 وقوله في " يونس "{ وَقَالَ فِرْعَوْنُ ٱئْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ } يونس 79. وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة { ثُمَّ أَتَىٰ } أي جاء فرعون بسحرته للميعاد ليغلب نبي الله موسى بسحره في زعمه.