الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ فَٱجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لاَّ نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلاَ أَنتَ مَكَاناً سُوًى } * { قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ ٱلزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ ٱلنَّاسُ ضُحًى }

قوله تعالى { فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ }. ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن فرعون لعنه الله، لما رأى آيات الله ومعجزاته الباهرة، وادعى أنها سحر ـ أقسم ليأتين موسى بسحر مثل آيات الله التي يزعم هو أنها سحر. وقد بين في غير هذا الموضع أن إتيانهم بالسحر وجمعهم السحرة كان عن اتفاق ملئهم على ذلك. كقوله في " الأعراف "قَالَ ٱلْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَـٰذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ قَالُوۤاْ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي ٱلْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ } الأعراف 109-112. وقوله في " الشعراء "قَالَ لِلْمَلإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَـٰذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ قَالُوۤاْ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَٱبْعَثْ فِي ٱلْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ } الشعراء 34-37، لأن قوله { فَمَاذَا تَأْمُرُونَ } في الموضعين يدل على أن قول فرعون { فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ } وقع بعد مشاورة واتفاق الملأ منهم على ذلك. قوله تعالى { فَٱجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لاَّ نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلاَ أَنتَ مَكَاناً سُوًى قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ ٱلزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ ٱلنَّاسُ ضُحًى }. ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن فرعون لما وعد موسى بأنه يأتي بسحر مثل ما جاء به موسى في زعمه قال لموسى { فَٱجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لاَّ نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلاَ أَنتَ } والإخلاف عدم إنجاز الوعد. وقرر أن يكون مكان الاجتماع للمناظرة وللمغالبة في السحر في زعمه مكاناً سُوىً. وأصح الأقوال في قوله { سُوًى } أصله من الاستواء. لأن المسافة من الوسط إلى الطرفين لا تفاوت فيها بل هي مستوية. وقوله { سُوًى } فيه ثلاث لغات الضم، والكسر مع القصر، وفتح السين مع المد. والقراءة بالأُولَيين دون الثالثة هنا ـ ومن القراءة بالثالثةتَعَالَوْاْ إِلَىٰ كَلَمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ } آل عمران 64 ومن إطلاق العرب { مَكَاناً سُوًى } على المكان المتوسط بين الفريقين قول موسى بن جابر الحنفي، وقد أنشده أبو عبيدة شاهداً لذلك
وإن أبانا كان حل ببلدة سوى بين قيس قيس عيلان والفزر   
والفزر سعد بن زيد مناة بن تميم. يعني حل ببلدة مستوية مسافتها بين قيس عيلان والفزر. وأن موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام أجاب فرعون إلى ما طلب منه من الموعد، وقرر أن يكون وقت ذلك يوم الزينة. وأقوال أهل العلم في يوم الزينة راجعة إلى أنه يوم معروف لهم، يجتمعون فيه ويتزينون. سواء قلنا إنه يوم عيد لهم، أو يوم عاشوراء، أو يوم النيروز، أو يوم كانوا يتخذون فيه سوقاً ويتزينون فيه بأنواع الزينة. قال الزمخشري وإنما واعدهم موسى ذلك اليوم ليكون علو كلمة الله وظهر دينه، وكبت الكافر وزهوق الباطل على رؤوس الأشهاد في المجمع الغاص لتقوي رغبة من رغب في اتباع الحق، ويَكل حد المبطلين وأشياعهم، ويكثر المحدث بذلك الأمر.

السابقالتالي
2 3