الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَىٰ }

أظهر القولين أن الإضافة في قوله { آيَاتِنا } مضمنة معنى العهد كالألف واللام. والمراد بآياتنا المعهودة لموسى كلها وهي التسع المذكورة في قولهوَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ } الإسراء 101 الآية، وقوله تعالىوَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ } النمل 12 الآية. وقال بعضهم الآيات التسع المذكورة هي العصا، واليد البيضاء، وفلق البحر، والحجر الذي انفجرت منه اثنتا عشرة عيناً، والجراد، والقُمَّل، والضفادع، والدم، ونتق الجبل فوقهم كأنه ظلة. وقد قدمنا كلام أهل العلم في الآيات التسع في سورة " الإسراء ". وقال بعض أهل العلم العموم على ظاهره، وإن الله أرى فرعون جميع الآيات التي جاء بها موسى، والتي جاء بها غيره من الأنبياء، وذلك بأن عرفه موسى جميع معجزاته ومعجزات سائر الأنبياء. والأول هو الظاهر. وقد بين جل وعلا في غير هذا الموضع أن الآيات التي أراها فرعون وقومه بعضها أعظم من بعض، كما قال تعالى في سورة " الزخرف "وَمَا نُرِيِهِم مِّنْ آيَةٍ إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا } الزخرف 48، وقولهلِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا ٱلْكُبْرَىٰ } النازعات 20 لأن الكبرى في الموضعين تأنيث الأكبر، وهي صيغة تفضيل تدل على أنها أكبر من غيرها. وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة { فَكَذَّبَ وَأَبَىٰ } يعني أنه مع ما أراه الله من الآيات المعجزات الدالة على صدق نبيه موسى، كذب رسول ربه موسى، وأبى عن قبول الحق. وقد أوضح جل وعلا في غير هذا الموضع شدة إبائه وعناده وتكبره على موسى في مواضع كثيرة من كتابه. كقولهوَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ } الأعراف 132، وقوله تعالىفَلَمَّا جَآءَهُم بِآيَاتِنَآ إِذَا هُم مِّنْهَا يَضْحَكُونَ } الزخرف 47 وقولهقَالَ لَئِنِ ٱتَّخَذْتَ إِلَـٰهَاً غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ ٱلْمَسْجُونِينَ } الشعراء 29، وقوله تعالىوَنَادَىٰ فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يٰقَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَـٰذِهِ ٱلأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِيۤ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ أَمْ أَنَآ خَيْرٌ مِّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ فَلَوْلاَ أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَآءَ مَعَهُ ٱلْمَلاَئِكَةُ مُقْتَرِنِينَ } الزخرف 51-53. ومقصوده بذلك كله تعظيم أمر نفسه وتحقير أمر موسى، وأنه لا يمكن أن يتبع الفاضل المفضول. وقد بين جل وعلا أن فرعون كذب وأبى، وهو عالم بأن ما جاء به موسى حق. وأن الآيات التي كذب بها وأبى عن قبولها ما أنزلها إلا الله، وذلك في قوله تعالىوَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً } النمل 14. وقولهقَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَآ أَنزَلَ هَـٰؤُلاۤءِ إِلاَّ رَبُّ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ بَصَآئِرَ وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يٰفِرْعَونُ مَثْبُوراً } الإسراء 102 إلى غير ذلك من الآيات. وقوله { أَرَيْنَاهُ } أصله من رأى البصرية على الصحيح.