الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ }

الضمير في قوله " مِنْهَا " معاً، وقوله { فِيهَا } راجع إلى " الأَرْضَ " المذكورة في قوله { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ مَهْداً }. وقد ذكر في هذه الآية الكريمة ثلاث مسائل الأولى أنه خلق بني آدم مِن الأرض. الثانية أنه يعيدهم فيها. الثالثة أنه يخرجهم منها مرة أخرى. وهذه المسائل الثلاث المذكورة في هذه الآية جاءت مُوضَحة في غير هذه المواضع. أما خلقه إياهم من الأرض ـ فقد ذكره في مواضع من كتابه. كقولهيٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ ٱلْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ } الحج 5، الآية، وقوله تعالىوَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ } الروم 20 الآية، وقوله في سورة " المؤمن "هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ } غافر 67 الآية، إلى غير ذلك من الآيات. والتحقيق أن معنى خلقه الناس من تراب ـ أنه خلق أباهم آدم منها. كما قال تعالىإِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ } آل عمران 59 الآية. ولما خلق أباهم من تراب وكانوا تبعاً له في الخلق صدق عليهم أنهم خُلقوا من تراب. وما يزعمه بعض أهل العلم من أن معنى خلقهم من تراب أن النطفة إذا وقعت في الرحم انطلق الملك الموكل بالرحم فأخذ من تراب المكان الذي يُدفن فيه فيذره على النطفة فيخلق الله النسمة من النطفة والتراب معاً ـ فهو خلاف التحقيق. لأن القرآن يدل على أن مرحلة النطفة بعد مرحلة التراب بمهلة. فهي غير مقارنة لها بدليل الترتيب بينهما بـ " ثُم " في قوله تعالىيٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ ٱلْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ } الحج 5 الآية، وقوله تعالىهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ } غافر 67 الآية، وقوله تعالىذٰلِكَ عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ ٱلَّذِيۤ أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ ٱلإِنْسَانِ مِن طِينٍ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلاَلَةٍ مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ } السجدة 6-8 وكذلك ما يزعمه بعض المفسِّرين من أن معنى خلقهم من تراب ـ أن المراد أنهم خلقوا من الأغذية التي تتولد من الأرض فهو ظاهر السقوط كما ترى. وأما المسألة الثانية ـ فقد ذكرها تعالى أيضاً في غير هذا الموضع. وذلك في قوله تعالىأَلَمْ نَجْعَلِ ٱلأَرْضَ كِفَاتاً أَحْيَآءً وَأَمْواتاً } المرسلات 25-26 فقوله { كِفَاتاً } أي موضعهم الذي يكفتون فيه أي يضمون فيه أحياء على ظهرها، وأمواتاً في بطنها. وهو معنى قوله { وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ }. وأما المسألة الثالثة ـ وهي إخراجهم من الأرض أحياء يوم القيامة فقد جاءت موضحة في آيات كثيرة. كقولهوَيُحْيِي ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ } الروم 19 أي من قبوركم أحياء بعد الموت، وقوله تعالىوَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً كَذَلِكَ ٱلْخُرُوجُ } ق 11 أي من القبور بالبعث يوم القيامة، وقوله تعالى

السابقالتالي
2