الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّن نَّبَاتٍ شَتَّىٰ } * { كُلُواْ وَٱرْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لأُوْلِي ٱلنُّهَىٰ }

قرأ هذا الحرف عاصم وحمزة والكسائي " مَهْداً " بفتح الميم وإسكان الهاء من غير ألف. وقرأ الباقون من السبعة بكسر الميم وفتح الهاء بعدها ألف. والمهاد الفراش. والمهد بمعناه. وكون أصله مصدراً لا ينافي أن يُسْتَعْمَل اسماً للفراش. وقوله في هذه الآية { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ } في محل رفع نعت لـ " رَبِّي " من قوله قبلهقَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لاَّ يَضِلُّ رَبِّي وَلاَ يَنسَى } طه 52 أي لا يضل ربي الذي جعل لكم الأرض مهداً. ويجوز أن يكون خبراً لمبتدأ محذوف. أي هو الذي جعل لكم الأرض. ويجوز أن ينصب على المدح، وهو أجود من أن يقدر عامل النصب لفظة أعني، كما أشار إلى هذه الأوجه من الإعراب في الخلاصة بقوله
وارفع أو انصب إن قطعت مضمراً مبتدأ أو ناصباً لن يظهرا   
هكذا قال غير واحد من العلماء. والتحقيق أنه يتعين كونه خبر مبتدأ محذوف. لأنه كلام مستأنف من كلام الله. ولا يصح تعلقه بقول موسى { لاَّ يَضِلُّ رَبِّي } لأن قوله { فَأَخْرَجْنَا } يعين أنه من كلام الله، كما نبه عليه أبو حيان في البحر، والعلم عند الله تعالى. وقد بين جل وعلا في هاتين الآيتين أربع آيات من آياته الكبرى الدالة على أنه المعبود وحده. ومع كونها من آيات على كمال قدرته واستحقاقه العبادة وحده دون غيره ـ فهي من النعم العظمى على بني آدم. الأولى فرشه الأرض على هذا النمط العجيب. الثانية جعله فيها سُبلاً يمر معها بنو آدم ويتوصلون بها من قطر إلى قطر. الثالثة إنزاله الماء من السماء على هذا النمط العجيب. الرابعة إخراجه أنواع النبات من الأرض. أما الأولى ـ التي هي جعله الأرض مهداً ـ فقد ذكر الامتنان بها مع الاستدلال بها على أنه المعبود وحده في مواضع كثيرة من كتابه. كقوله تعالىوَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ ٱلْعَزِيزُ ٱلْعَلِيمُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ مَهْداً } الزخرف 9-10 الآية، وقوله تعالىأَلَمْ نَجْعَلِ ٱلأَرْضَ مِهَاداً وَٱلْجِبَالَ أَوْتَاداً } النبأ 6-7، وقوله تعالىوَٱلأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ ٱلْمَاهِدُونَ } الذاريات 48، وقوله تعالىوَهُوَ ٱلَّذِي مَدَّ ٱلأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَاراً } الرعد 3 والآيات بمثل ذلك كثيرة جداً. وأما الثانية ـ التي هي جعله فيها سبلاً فقد جاء الامتنان والاستدلال بها في آيات كثيرة. كقوله في " الزخرف "وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ ٱلْعَزِيزُ ٱلْعَلِيمُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } الزخرف 9-10، وقوله تعالىوَجَعَلْنَا فِي ٱلأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ } الأنبياء 31 وقد قدمنا الآيات الدالّة على هذا في سورة " النحل " في الكلام على قوله

السابقالتالي
2 3