الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يٰمُوسَىٰ } * { قَالَ رَبُّنَا ٱلَّذِيۤ أَعْطَىٰ كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ }

ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن موسى وهارون لما بلغا فرعون ما أُمرا إياه قال لهما من ربكما الذي تزعمان أنه أرسلكما إلي!؟ زاعماً أنه لا يعرفه. وأنه لا يعلم لهما إلهاً غير نفسه، كما قالمَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِي } القصص 38، وقالقَالَ لَئِنِ ٱتَّخَذْتَ إِلَـٰهَاً غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ ٱلْمَسْجُونِينَ } الشعراء 29. وبين جلا وعلا في غير هذا الموضع أن قوله { فَمَن رَّبُّكُمَا } تجاهل عارف بأنه عبد مربوب لرب العالمين، وذلك في قوله تعالىقَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَآ أَنزَلَ هَـٰؤُلاۤءِ إِلاَّ رَبُّ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ بَصَآئِرَ } الإسراء 102 الآية، وقولهفَلَمَّا جَآءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُواْ هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً } النمل 13-14 كما تقدم إيضاحه. وسؤال فرعون عن رب موسى، وجواب موسى له جاء موضحاً في سورة " الشعراء " بأبسط مما هنا، وذلك في قولهقَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ قَالَ رَبُّ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلاَ تَسْتَمِعُونَ قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَآئِكُمُ ٱلأَوَّلِينَ قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ ٱلَّذِيۤ أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ قَالَ رَبُّ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ قَالَ لَئِنِ ٱتَّخَذْتَ إِلَـٰهَاً غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ ٱلْمَسْجُونِينَ قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيءٍ مُّبِينٍ قَالَ فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ فَأَلْقَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَآءُ لِلنَّاظِرِين } الشعراء 23-33َ إلى آخر القصة. وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة { قَالَ رَبُّنَا ٱلَّذِيۤ أَعْطَىٰ كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ } فيه للعلماء أوجه لا يكذب بعضها بعضاً، وكلها حق، ولا مانع من شمول الآية لجميعها. منها ـ أن معنى { أَعْطَىٰ كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ } أنه أعطى كل شيء نظير خلقه في الصورة والهيئة، كالذكور من بني آدم أعطاهم نظير خلقهم من الإناث أزواجاً. وكالذكور من البهائم أعطاها نظير خلقها في صورتها وهيئتها من الإناث أزواجاً. فلم يعط الإنسان خلاف خلقه فيزوجه بالإناث من البهائم، ولا البهائم بالإناث من الإنس، ثم هدى الجميع لطريق المنكح الذي منه النسل والنماء، كيف يأتيه، وهدى الجميع لسائر منافعهم من المطاعم والمشارب وغير ذلك. وهذا القول مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما من طريق علي بن أبي طلحة، وعن السدي وسعيد بن جبير، وعن ابن عباس أيضاً { ثُمَّ هَدَىٰ } أي هداه إلى الألفة والاجتماع والمناكحة. وقال بعض أهل العلم { أَعْطَىٰ كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ } أي أعطى كل شيء صلاحه ثم هداه إلى ما يصلحه، وهذا مروي عن الحسن وقتادة. وقال بعض أهل العلم { أَعْطَىٰ كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ } أي أعطى كل شيء صورته المناسبة له. فلم يجعل الإنسان في صورة البهيمة، ولا البهيمة في صورة الإنسان، ولكنه خلق كل شيء على الشكل المناسب له فقدره تقديراً، كما قال الشاعر

السابقالتالي
2