أمر الله جل وعلا نبيه موسى وهارون عليهما وعلى نبينا الصلاة والسلام أن يقولا لفرعون في حال تبليغ رسالة الله إليه " قَوْلاً لَيِّناً " أي كلاماً لطيفاً سهلاً رقيقاً، ليس فيه ما يغضب وينفر. وقد بين جل وعلا المراد بالقول اللين في هذه الآية بقوله{ ٱذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَىٰ أَن تَزَكَّىٰ وَأَهْدِيَكَ إِلَىٰ رَبِّكَ فَتَخْشَىٰ } النازعات 17-19 وهذا والله غاية لين الكلام ولطافته ورقته كما ترى. وما أمر به موسى وهارون في هذه الآية الكريمة أشار له تعالى في غير هذا الموضع، كقوله{ ٱدْعُ إِلِىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } النحل 125. مسألة يؤخذ من هذه الآية الكريمة أن الدعوة إلى الله يجب أن تكون بالرِّفق واللَّين. لا بالقسوة والشدة والعنف. كما بيناه في سورة " المائدة " في الكلام على قوله تعالى{ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ } المائدة 105 الآية. وقال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية قال يزيد الرقاشي عند قوله { فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً } يا من يتحبب إلى من يعاديه، فكشف بمن يتولاه ويناديه؟ ا هـ ولقد صدق من قال
ولو أن فرعون لما طغى وقال على الله إفكا وزورا أناب إلى الله مستغفراً لما وجد الله إلا غفوراً
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة { لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ } قد قدمنا قول بعض العلماء إن " لَعَلَّ " في القرآن بمعنى التعليل، إلا التي في سورة " الشعراء "{ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ } الشعراء 129 فهي بمعنى كأنكم. وقد قدمنا أيضاً أن " لعل " تأتي في العربية للتعليل. ومنه قوله
فقلتم لنا كفوا الحروب لعلنا نكف ووثقتم لنا كل موثقى فلما كففنا الحرب كانت عهودكم كشبه سراب بالملا متألق
فقوله " لعلنا نكف " أي لأجل أن نكف. وقال بعض أهل العلم { لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ } معناه على رجائكما وطمعكما، فالترجي والتوقع المدلول عليه بلعل راجع إلى جهة البشر. وعزا القرطبي هذا القول لكبراء النحويين كسيبويه وغيره.