قال بعض أهل العلم المراد بالآيات في قوله هنا { ٱذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي } الآيات التسع المذكورة في قوله تعالى{ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ } الإسراء 101 الآية، وقوله{ وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ } النمل 12 الآية. والآيات التسع المذكورة هي العصا واليد البيضاء... إلى آخرها. وقد قدمنا الكلام عليها مستوفى في سورة " بني إسرائيل ". وقوله تعالى { إِنَّهُ طَغَىٰ } أصل الطغيان مجاوزة الحد، ومنه{ إِنَّا لَمَّا طَغَا ٱلْمَآءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي ٱلْجَارِيَةِ } الحاقة 11 وقد بين الله تعالى شدة طغيان فرعون ومجاوزته الحد في قوله عند{ فَقَالَ أَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلأَعْلَىٰ } النازعات 24، وقوله عنه{ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِي } القصص 38، وقوله عنه أيضاً{ لَئِنِ ٱتَّخَذْتَ إِلَـٰهَاً غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ ٱلْمَسْجُونِينَ } الشعراء 29. وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة، { وَلاَ تَنِيَا } مضارع ونى يني، على أحد قول ابن مالك في الخلاصة
فا أمراً ومضارع من كوعد احذف وفي كعدة ذاك اطرد
والونى في اللغة الضعف، والفتور، والكلال والإعياء، ومنه قول امرئ القيس في معلقته
مسح إذا ما السابحات على الونى أثرن غباراً بالكديد المركل
وقول العجاج
فما ونى محمد مذ أن غفر له الإله ما مضى وما غبر
فقوله { وَلاَ تَنِيَا فِي ذِكْرِي } أي لا تضعفا ولا تفترا في ذكري. وقد أثنى الله على من يذكره في جميع حالاته في قوله{ ٱلَّذِينَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ } آل عمران 191، وأمر بذكر الله عند لقاء العدو في قوله{ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَٱثْبُتُواْ وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً } الأنفال 45 كما تقدم إيضاحه. وقال ابن كثير رحمه الله في تفسيره هذه الآية الكريمة والمراد أنهما لا يفتران في ذكر الله في حال مواجهة فرعون. ليكون ذكر الله عوناً لهما عليه، وقوة لهما وسلطاناً كاسراً له، كما جاء في الحديث " إن عبدي كل عبدي الذي يذكرني وهو مُناجز قِرْنه " ا هـ منه. وقال بعض أهل العلم { وَلاَ تَنِيَا فِي ذِكْرِي } لا تزالا في ذكري. واستشهد لذلك بقول طرفة
كأن القدور الراسيات أمامهم قباب بنوها لا تني أبداً تغلي
أي لا تزال تغلي. ومعناه راجع إلى ما ذكرنا. والعلم عند الله تعالى.