الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَىٰ } * { إِذْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّكَ مَا يُوحَىٰ } * { أَنِ ٱقْذِفِيهِ فِي ٱلتَّابُوتِ فَٱقْذِفِيهِ فِي ٱلْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ ٱلْيَمُّ بِٱلسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِيۤ }

قوله تعالى { وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَىٰ إِذْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّكَ مَا يُوحَىٰ أَنِ ٱقْذِفِيهِ فِي ٱلتَّابُوتِ فَٱقْذِفِيهِ فِي ٱلْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ ٱلْيَمُّ بِٱلسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ }. ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة. أنه منَّ على موسى مرة أخرى قبل مَنِّه عليه بالرسالة ورسالة أخيه معه، وذلك بإنجائه من فرعون وهو صغير، إذ أوحى إلى أمه أي ألهمها وقذف في قلبها، وقال بعضهم هي رؤيا منام. وقال بعضهم أوحى إليها ذلك بواسطة ملك كلمها بذلك. ولا يلزم من الإيحاء في أمر خاص أن يكون الموحى إليه نبياً، و " أن " في قوله { أَنِ ٱقْذِفِيهِ } هي المفسرة، لأن الإيحاء فيه معنى القول دون حروفه. والتعبير بالموصول في قوله { مَا يُوحَىٰ } للدلالة على تعظيم شأن الأمر المذكور، كقولهفَغَشِيَهُمْ مِّنَ ٱلْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ } طه 78، وقولهفَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَآ أَوْحَىٰ } النجم 10 والتابوت الصندوق. واليم البحر. والساحل شاطئ البحر. والبحر المذكور نيل مصر. والقذف الإلقاء والوضع، ومنه قوله تعالىوَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعْبَ } الأحزاب 26 ومعنى { أَنِ ٱقْذِفِيهِ فِي ٱلتَّابُوتِ } أي ضعيه في الصندوق. والضمير في قوله { أَنِ ٱقْذِفِيهِ } راجع إلى موسى بلا خلاف. وأما الضمير في قوله { فَٱقْذِفِيهِ فِي ٱلْيَمِّ } وقوله { فَلْيُلْقِهِ } فقيل راجع إلى التابوت. والصواب رجوعه إلى موسى في داخل التابوت، لأن تفريق الضمائر غير حسن، وقوله { يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ } هو فرعون، وصيغة الأمر في قوله { فَلْيُلْقِهِ ٱلْيَمُّ بِٱلسَّاحِلِ } فيها وجهان معروفان عند العلماء أحدهما ـ أن صيغة الأمر معناها الخبر، قال أبو حيان في البحر المحيط و { فَلْيُلْقِهِ } أمر معناه الخبر، وجاء بصيغة الأمر مبالغة، إذ الأمر أقطع الأفعال وأوجبها. الوجه الثاني ـ أن صيغة الأمر في قوله { فَلْيُلْقِهِ } أريد بها الأمر الكوني القدري، كقولهإِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } يس 82 فالبحر لا بد أن يلقيه بالساحل، لأن الله أمره بذلك كوناً وقدراً. وقد قدمنا ما يشبه هذين الوجهين في الكلام على قوله تعالىفَلْيَمْدُدْ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ مَدّاً } مريم 75. وما ذكره جل وعلا في هذه الآيات ـ أوضحه في غير هذا الموضع، كقوله في " القصص "وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي ٱليَمِّ وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تَحْزَنِيۤ إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ فَٱلْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً } القصص 7 - 8 وقد بين تعالى شدة جزع أمه عليه لما ألقته في البحر، وألقاه في اليم بالساحل، وأخذه عدوه فرعون في قوله تعالىوَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغاً إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلاۤ أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } القصص 10. وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة { يَأْخُذْهُ } مجزوم في جواب الطلب الذي هو { فَلْيُلْقِهِ ٱلْيَمُّ بِٱلسَّاحِلِ } وعلى أنه بمعنى الأمر الكوني فالأمر واضح.

السابقالتالي
2